خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة حاملاً بيده الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط من دون فلسطين، ومعلناً أن ليس من حق الفلسطينيين الاعتراض على التطبيع، ولا دولة فلسطينية في هذه الخارطة الجديدة ومباهاته بالسلام مع الدول العربية، يشكلان الأهداف الحقيقية لحرب إسرائيل على غزة من خلال تصفية القضية الفلسطينية باغتيال شعبها وتهجيره.
إنّ نتنياهو واليمين معه يعلنون على الملأ أن لا دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل وهذا هو الهدف أيضاً من الحرب. إن هذا الخطاب وهذه الأهداف شكل من أشكال أحلام اليقظة، فلا هذه الحرب ولا أي حرب أخرى يمكن أن تقتلع شعباً كاملاً من أرضه وأن تلغي حقائق التاريخ والجغرافيا.
يدرك نتنياهو أن «الفيتو» الأمريكي هو الذي يحول دون تحول هذه الدولة إلى دولة كاملة العضوية، وأن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي هذه الدولة يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها. ويبدو أن نتنياهو في لحظات أحلام اليقظة القليلة لم يقرأ أو يسمع عن العديد من القرارات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة وتتفاوت ما بين الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعدم الاعتراف بالاحتلال والاستيطان وبحق الشعب الفلسطيني في دولته، ويدرك أن قرارات الشرعية الدولية لا تسقط بالتقادم وتنقصها للتطبيق القوة الدولية التي تعيقها الولايات المتحدة.
ولعل أهم ما غفل عنه نتنياهو في دقائق حلم اليقظة القرار الأممي رقم 181 الذي نص على قيام إسرائيل كدولة على مساحة تقارب الـ55 في المئة، كما نص أيضاً على قيام الدولة العربية بمساحة 44 في المئة والقدس تحت الوصاية الدولية، وتناسى أيضاً حتى هذا القرار ما كان يمكن أن يصدر لولا تحكم بريطانيا وأوروبا وأمريكا وقتها بالتصويت في الأمم المتحدة ووقتها كان عدد دولها 45 دولة أما اليوم فالعدد وصل إلى 193 دولة أكثر من 120 منها تعترف بفلسطين ولها علاقات دبلوماسية معها. وإلى جانب هذا القرار، هناك القرار رقم 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين الذي حفظ لهم حق العودة وهذا الحق لا يسقط بالتقادم أيضاً.
ومن صور أحلام اليقظة التي لم ترها عيناه أن هناك أكثر من سبعة ملايين فلسطيني ما بين البحر والنهر، وهناك أكثر من خمس السكان يعيشون في داخل إسرائيل، وحتى لو كانوا يحملون جنسيتها كمواطنين فإنهم لم ينسوا هويتهم العربية الفلسطينية. هناك ما يقرب من الخمسة ملايين في الضفة الغربية وغزة يعيشون تحت الاحتلال.
هذه الحقيقة الفلسطينية تعود جذورها التاريخية إلى أكثر من ألفي عام، منذ الكنعانيين الذين تسمى الأرض باسمهم، وأن فلسطين التي يتجاهلها نتنياهو كانت عبارة عن دولة واحدة تجّمع الكل فيها من عرب ويهود ووضعت تحت الانتداب البريطاني كغيرها من الدول، لكن التحالف الغربي الذي تآمر مع الحركة الصهيونية أعطى أرضاً لغير أصحابها من خلال وعد بلفور الباطل لإقامة وطن قومي لليهود.
لكنه العمى الأيديولوجي الذي يحجب الرؤية السياسية، ووهم أحلام اليقظة الذي عاشه نتنياهو الذي يعمي الأبصار ويزوّر الحقيقة. إن الدول العربية التي ذهبت للسلام تجنباً للحروب، لم تتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في دولته، وربطت بين هذا السلام وقيام هذه الدولة، وإذا كان نتنياهو يراهن على ورقة السلام مع السعودية فليقرأ تصريحات ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان الأخيرة ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان حيث أكدا على حق الشعب الفلسطيني في دولته وفي إنهاء الاحتلال، وأنه لا سلام من دون الدولة الفلسطينية.
سوف يصحو نتنياهو من حلمه ليرى الواقع والخارطة الجغرافية التي كتبتها ورسمتها الأرض والحقائق الجيوسياسية، وليرى بعينيه أن هناك شعباً فلسطينياً لن يتنازل ولن يساوم على أرضه، وأن هناك دولة فلسطينية ستقوم على أرضها لأن المحتل لا يمنح ولا يهب دولاً. فالحرية حق للشعب ينتزعه بمقاومته الشرعية.. ولا ينسى نتنياهو أن فلسطين اليوم هي عضو في العديد من المنظمات الدولية وأن السلام كل لا يتجزأ، وأن السلام لا يكتمل إلا بقيام الدولة الفلسطينية الديمقراطية والمستقلة، وأنه لا أمن لإسرائيل إلا بقيام هذه الدولة، وأن الخارطة التي لوّح بها نتنياهو في الأمم المتحدة هي خارطة مزورة ولن تقوم قائمة للسلام ما دام الشعب الفلسطيني صاحب الأرض يقاوم ويتمسك بأرضه.
("الخليج") الإماراتية