قضايا العرب

"وساطة الدبيبة" السودانية.. عندما تتحوّل المأساة إلى ملهاة!

بإيعاز أمريكي، على ما يبدو، دخل عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة، معترك الصراع السوادني من باب إدعاء الوساطة بين طرفيه، لكي تكتمل مأساة ليبيا والسودان، وتتحوّل حرفيًا إلى ملهاة، يتم استغلالها سياسيًا وإعلاميًا، على حساب المصالح الحقيقية للشعبين.

وبينما لا زالت المواجهات العسكرية الدامية مستمرة، بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ اندلاعها في أبريل/نيسان 2023، تفتق ذهن الدبيبة، في محاولة للهروب من استحقاقات الأزمة الليبية بالأساس، عن محاولة لعب دور وهمي، لوقف الحرب الدائرة في السودان بدون توقف.

وعقب اتصاله هاتفيًا مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وغريمه قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو "حميدتي"، استقبلهما الدبيبة في العاصمة الليبية طرابلس بشكل منفصل، معلنًا عن مبادرة مفاجئة لإنهاء النزاع السوداني المحتدم.

بحسب ما أعلنه الدبيبة، فإنّ مساعيه تستهدف "تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية لإحلال السلام والاستقرار في السودان".

مبادرة بلا ملامح

لكنه مع ذلك، لم يعلن عن تفاصيل مبادرته، التي تنطلق من الفراغ، مكتفيًا بالقفز على الصراع الحالي على السلطة في مواجهة الحكومة الموازية المحسوبة على مجلس النواب، عبر إعلان أنه شدد خلال اجتماعه بطرابلس مع حميدتي، على ضرورة إنهاء الحرب والصراع والوصول إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، واعتبر أنّ عمق العلاقات التاريخية بين ليبيا والسودان "يُحتّم على ليبيا تقديم المساندة في الظروف الحالية".

بدوره، قال حميدتي إنه شرح للدبيبة الأسباب، التي أدت إلى اشتعال الحرب، والأطراف التي تسعى لتوسعتها واستمرارها، لافتًا إلى أنه قدّم رؤيته لوقف الحرب وتحقيق السلام والاستقرار ورفع المعاناة عن كاهل الشعب وإعادة بناء السودان على أُسُس جديدة وعادلة.

وبعبارات إنشائية، تمنى الدبيبة عقب اجتماعه مع البرهان، خلال زيارته الأولى إلى العاصمة طرابلس، الاستقرار والرخاء للسودان وأن يعمّ الأمن والسلام لهذا البلد الشقيق والمنطقة عامة.

وعلى طريقة الهروب إلى الأمام، التي يجيدها منذ وصوله لرئاسة الحكومة المؤقتة في ليبيا، بعدما تجاهلت الأمم المتحدة، التحقيق في دعاوى بشأن دفعه رشاوى مالية لانتخابه، في عملية مثيرة للجدل، تمت في مدينة جنيف السويسرية، قبل نحو عامين، وجد الدبيبة ضالته في الأزمة السودانية، متجاهلًا مسؤوليته الكاملة عن تعطيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كان مقررًا إجراؤها نهاية عام 2021.

ومع ذلك، فقد جادل محمد حمّودة، المتحدث باسم حكومة الدبيبة، بأنّ الخلاف السياسي في بلاده "لا يشلّ الحركة الدبلوماسية" ولا يمنعها من السعي إلى مساعدة الدول الشقيقة. لكنه اعترف بأنّ مهمة الوساطة بين السودانيين "ملف ليس بالسهل"، ورفض الإفصاح عن مزيد من التفاصيل بشأن تلك الجهود؛ مكتفيًا بالقول إنّ "الحل سينبع من الداخل السوداني".

لا يرى دبلوماسيون عرب وغربيون في العاصمة طرابلس، تحدثت إليهم "عروبة 22"، أي ملامح لمبادرة الدبيبة، يمكن الاستناد إليها في الحكم عليها.

وقال دبلوماسي عربي: "أعتقد أنها مبادرة إعلامية أكثر منها سياسية"، لافتًا إلى أنّ الدبيبة، الذي يواجه مشكلات محلية بالجملة، أراد التشويش عليها، عبر اجتماعاته مع البرهان وحميدتي.

وتابع: "ربما أيضًا استغل البرهان وحميدتي، مبادرة الدبيبة للظهور إعلاميًا وسياسيًا بعد تراجع الاهتمام الاقليمي والدولي بالأزمة السودانية، في ظل الأحداث المتعلقة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة الفلسطيني المحتل، وتوتر الوضع في البحر الأحمر".

فور توليه السلطة في ليبيا اصطدم الدبيبة مبكرًا بالوضع في السودان حيث سبق إلغاء زيارة كانت مقررة للدبيبة للخرطوم بهدف حشد الدعم لحكومة الدبيبة، والتي أقالها مجلس النواب الليبي، مقابل الحكومة الموازية التي نصّبها.

دور أمريكي

لكن الأمور تغيّرت على ما يبدو، بالنسبة للدبيبة فهو من جهة يريد التغطية على فشله الداخلي، ومن جهة أخرى يسعى لتنفيذ دور أمريكي باستغلال الأزمات الإقليمية المحيطة.

التفكير في إيعاز أمريكي، يدعمه إعلان السفير والمبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد نورلاند،  أنه بحث العام الماضي مع الدبيبة ما وصفه بمصلحة ليبيا المشتركة مع الولايات المتحدة في تأمين وقف إطلاق النار في السودان.

وكرر الدبيبة أنه ناقش مع نورلاند، مجددًا في طرابلس "الأوضاع في السودان والنيجر"، وضرورة وقف الحرب وإنهاء الصراعات فيهما للمساهمة في استقرار الأوضاع في ليبيا.

ويعني هذا الإعلان ببساطة أنّ وساطة الدبيبة أو تحركاته لن تقتصر على السودان، وإنما ستشمل أيضا النيجر.

خلال زيارة مثيرة للجدل، قام بها الصدّيق حفتر (النجل الأكبر للمشير خليفة حفتر)، الذي يوصف عادة بالرجل الأقوى في شرق ليبيا، إلى السودان العام الماضي، أدرك نجل حفتر مبكرًا، أنّ السودان يتجه إلى حرب أهلية.

وفقًا لحديث الصدّيق لـ"عروبة 22" فقد كان الأمر لا يحتاج إلى مجهود كبير لمعرفة ذلك، فالموكب والحرس الأمني المرافق لحميدتي الذي التقاه في الخرطوم على مائدة إفطار في شهر رمضان الماضي كان أكبر من موكب البرهان.

في السابق، نفى نجل حفتر تعهّده بتقديم دعم مادي لنادي "المريخ" السوداني، الذي منحه رئاسته الفخرية، على أمل الحصول على مساعدات مالية، متمنيًا أن تنتهي الأزمة بما يخدم أمن واستقرار السودان.

سخرية وفوضى

ولاحظ مراقبون محليون أن ليبيا بوضعها الحالي، ليست مؤهلة أبدًا للوساطة أو الحل، خصوصًا أنّ حكومة الدبيبة متورطة في الصراع السوداني بروابط عسكرية، في إشارة إلى ما كشفت عنه الأمم المتحدة عام 2019 بشأن إرسال حميدتي مرتزقة لدعم الحرب الفاشلة، التي شنتها آنذاك قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس وتقارير دولية عن دعم حفتر لقوات الدعم السريع بالسلاح والوقود.

كما اعتبر النائب الليبي علي التكبالي، أن الشخصيات التي تحكم في ليبيا الآن "كرتونية"، لافتًا إلى أنه بينما لم يستطع الدبيبة إنهاء الفوضى في البلاد، فإنه يريد في المقابل حل أزمة السودان.

وسخر رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، من تأكيد حميدتي حول ضرورة إعادة بناء السودان، خلال لقائه الدبيبة، وعلق قائلًا باللغة العامية المصرية: "طيب مش لما نعيد بناء ليبيا الأول؟".

ويُعتقد أنّ التساؤلات المرتبطة بمبادرة الدبيبة، لإنهاء الأزمة السودانية تتعلق أيضًا بمحاولته تثبيت نفسه كقائد إخواني في ليبيا وكسبه زخمًا دوليًا وإبقاء اسمه في المشهد.

ويعزّز هذا لقاء البرهان خلال تواجده في طرابلس مع الصادق الغرياني مفتي ليبيا المقال من منصبه، والمثير للجدل، بحكم انتمائه إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، ودعمه للجماعات الإرهابية المتطرفة، وهو ما تم وصفه بمثابة "ارتماء في أحضان عراب الإرهاب الليبي".

ورغم تكليف حكومة الدبيبة، بتوحيد ليبيا، البلد المنقسم على نفسه، الذي تعمه الفوضى والعنف منذ 13 عامًا بعد سقوط نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي، فقد تنصل الدبيبة وحكومته  من إتمام الاستحقاق الانتخابي والإشراف على إجراء الانتخابات، في إطار خطة سلام تدعمها الأمم المتحدة.

وعجز الدبيبة عن فتح قنوات حوار سلمية مع معارضيه في شرق البلاد، كما أضاع ما وُصف بأكبر فرصة منذ سنوات لإيجاد حل للصراع في ليبيا، التي دمّرتها الحرب.

ورغم إعلان وزير الخارجية السوداني، علي الصادق الموافقة على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع قوات حميدتي بوساطة ليبيا وتركيا، تواصلت الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم.

في المجمل، لا تملك طرابلس بالفعل إمكانية إنهاء الحرب في السودان، فهي أكبر من الدبيبة والظروف الليبيبة، على الرغم من تماثل الوضع العسكري والسياسي في ليبيا والسودان، حيث تبرز عسكرة الصراع السياسي، بوجود عدد من القوى السياسية المسلحة المتصادمة. لكن حرص البرهان وحميدتي على التجاوب مع الدبيبة، يمكن تفسيره أيضًا، على أنه مسعى لتحييد ليبيا من إرسال أسلحة لزيادة حدة الصراع العسكري في السودان.

صحيفة العنوان الليبية، اعتبرت من جانبها، أنّ الدبيبة يحاول خلط الأوراق السياسية الداخلية، ويقول بأنه يسعى لحلحة أزمة الصراع في السودان في الوقت الذي يتجاهل فيه اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة جرت بمدينة الزاوية غرب طرابلس على بعد كيلومترات معدودة عن مقر حكومته.

استبعاد تحقيق الدبيبة أي اختراق في الأزمة السودانية، لا يرجع فقط لعدم وجود حوافز ظاهرة للعيان، قد يحملها الدبيبة إلى المتحاربين في السودان، فثمة من يعتقد أنّ ليبيا لا تصلح بوضعها الحالي، لتقديم نموذج للحل وإنهاء الصراع وهي تفتقر إليه، ويخلص إلى أن ما قام به  الدبيبة رئيس حكومة الوحدة منتهية الولاية في ليبيا، "مجرد مراهقة وشيزوفرينيا سياسية، لا تدرك الواقع المعيش".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن