رغم أن هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي يمثل منعطفاً فارقاً في التاريخ الإسرائيلي، وسيبقى أحد السيناريوهات المرعبة التي تقض مضاجع مخططي السياسات الإسرائيليين فترات طويلة، فإن إسرائيل تواجه حالياً انقسامات داخلية لا تقل خطورة.
فالتماسك الظاهري الذي أنتجته الحرب ضد «حماس» ينحسر تدريجياً سواء بسبب طول فترة الحرب التي تعدت الخمسة أشهر، أو بسبب تفاقم الأزمات الداخلية وتحول الاختلافات الرسمية والحزبية والشعبية إلى خلافات وانقسامات تظهر وجود شروخ داخلية عميقة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
أحدث مظاهر الانقسامات هي الزيارة التي قام بها مؤخراً إلى الولايات المتحدة وبريطانيا بيني غانتس عضو مجلس الحرب الإسرائيلي، وهي الزيارة التي تمت رغم غضب ورفض رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لدرجة أن الأخير أمر سفارتي إسرائيل في كل من واشنطن ولندن بعدم مساعدة غانتس كإجراء بروتوكولي متعارف عليه لوزير حالي، ولم يكتف بذلك بل وجه بإجراء تحقيق في كيفية حصول غانتس على تذكرة سفر إلى واشنطن رغم رفض رئيس الوزراء.
الأرجح أن الولايات المتحدة تلعب بورقة غانتس من أجل تعظيم الضغوط على نتانياهو ووزرائه المتشددين كبديل عن أي إجراء آخر لن تستطيع إدارة بايدن اتخاذه ضد إسرائيل لإجبارها على القبول بوجهة النظر الأمريكية بشأن وقف حرب غزة وقضايا تفصيلية أخرى تتعلق بمستقبل القطاع.
وحيث يريد البيت الأبيض وقف مسلسل الخسائر السياسية الناجمة عن هذه الحرب التي تؤثر بشكل واضح وملموس على فرص إعادة انتخاب بايدن لولاية رئاسية ثانية.
السؤال الآن: هل تنجح المناورة السياسية الأمريكية ـ البريطانية في تحقيق أهدافها؟ في الإجابة عن هذا السؤال يمكن القول إن نتنياهو قد حسم أمره بالمضي حتى النهاية في الحرب لأنه يعلم تماماً عواقب توقف القتال الآن.
ويعلم كذلك أن الرأي العام الإسرائيلي في مجمله يدعم مسألة استمرار الحرب، لا سيما في ظل عدم تحقيق نتائج ميدانية ملموسة أو بالأحرى أهداف هذه الحرب ولا سيما استعادة الرهائن، أو القضاء على حركة «حماس».
نزيف الخسائر البشرية والمادية الإسرائيلي لن يجبر نتنياهو ووزراءه المتشددين على القبول بصفقة لوقف الحرب بشكل نهائي، كما لم يعد يأبه كثيراً بالموقف الأمريكي والضغوط الدولية.
حيث بات يستعيض عن ذلك بأمرين مهمين أولهما يقينه من أن الولايات المتحدة، والغرب عموماً، لن تتخلى عن إسرائيل مهما حدث من خلافات أو تباينات في وجهات النظر، والأمر الثاني أن نتنياهو قد حشد اليمين المتطرف الإسرائيلي واستنفر قوى المجتمع الإسرائيلي لدعمه في مواصلة القتال دون أي اعتبار للمواقف الدولية.
الحاصل أن نتنياهو في أزمة حقيقية لو توقفت الحرب من دون تحقيق أهدافها، كما أن حركة «حماس» هي الأخرى في مواجهة أزمة وجودية لأن استمرار إسرائيل في ملاحقة الحركة يوجه ضربة قاصمة لكل ما وضعته من تصورات وسيناريوهات خاطئة بشأن إدارة هذه الأزمة.
لذا فإن أزمة طرفي الصراع هي العائق الحقيقي الذي يحول دون إيجاد مخرج نهائي للوضع الكارثي في قطاع غزة، فلا نتنياهو سيقبل بوقف نهائي للحرب، ولا «حماس» يمكن أن تقبل بصفقة تهدئة مؤقتة لا تضمن مستقبل قادتها الميدانيين.
ولعل حلول شهر رمضان يفرض ضغوطاً هائلة على جميع الأطراف سواء إسرائيل أو «حماس» أو الوسطاء والقوى الإقليمية والدولية، لأن استمرار الحرب والقتل خلال الشهر الفضيل سيثير الرأي العام الإسلامي بشكل أكثر توسعاً وتأثيراً، كما يوفر فرصة ثمينة للتنظيمات والقوى المتطرفة في الشرق الأوسط لاستنفار المشاعر.
هذه الحرب تحولت إلى مأزق معقد للغاية سواء على مستوى وقف القتال أو على صعيد ما بعد الحرب، وهذا كله يصب في خانة تأزيم موقف الإدارة الأمريكية التي فشلت حتى الآن في استخدام نفوذ واشنطن من أجل استعادة الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق أهمية بالنسبة للولايات المتحدة.
("البيان") الإماراتية