بالحسابات المجردة فإنه لا يمكن المقارنة بين الإمكانيات والموارد والأسلحة الفتاكة التي تملكها إسرائيل، وبين إمكانيات المقاومة الفلسطينية وأهمها إيمانهم بعدالة قضيتهم وصدورهم العارية وقليل من الأسلحة البدائية.
وبالتالى فعلينا جميعا أن نكون واثقين أن النصر مكتوب في النهاية للفلسطينيين مهما طالت معاناتهم ومهما زاد البطش والإجرام الصهيوني.
المنطق البسيط يقول إن العبارات السابقة هي كلمات عاطفية بلا أي قيمة، وأن الفيصل دائما هو لحسابات القوة الشاملة بكل أنواعها سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو إعلامية وثقافية أو تكنولوجية.
لكن الرد على هذا المنطق بسيط وواضح ومقنع في نفس الوقت، فلو أن الأمور تقاس فقط بالقوة المادية والمقارنات المجردة بين الإمكانيات والموارد والأسلحة والأموال ما انتصرت أي دولة صغيرة وتحررت من احتلال دولة قوية جدا، بل أحيانا من أقوى الدول في العالم.
التاريخ القريب والحديث يقدم لنا عشرات وربما مئات الأمثلة على أنه في الصراع بين القوى الكبرى المحتلة الغاشمة والمتجبرة وبين قوى المقاومة الصغيرة والضعيفة، فإن الغلبة النهائية ورغم كل العقبات والتحديات تكون دائما لمن لديه الحق والإصرار، ما دام يمتلك الشروط الموضوعية.
في تاريخ حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية فإن الدول الاستعمارية كانت أقوى بعشرات ومئات المرات من الدول المحتلة، ورغم ذلك فإن الأخيرة هي التي انتصرت وطردت المحتلين.
القوة بأنواعها المختلفة مهمة جدا، وهي السبب الأساسي الذي مكن الدول التي تمتلكها من احتلال الدول الأصغر، لكن قانون الحياة الطبيعي يقول لنا بوضوح إن النتيجة في النهاية هي أن أصحاب الحق هم الذين ينتصرون ما داموا يتمسكون بأسباب النصر.
لو أن المقياس هو القوة فقط، فلماذا انتصر الأشقاء في الجزائر على الاستعمار الفرنسي الاستيطاني بعد ١٣٠ عاما من الاحتلال البغيض لدرجة أن فرنسا كانت تعتبر الجزائر أرضا فرنسية وراء البحار، وليس مجرد مستعمرة تنهب خيراتها؟!
لو أن المقياس هو القوة فقط، فلماذا تمكن الشعب الفيتنامي من الانتصار على أقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة، وطردها من بلاده رغم الفارق الضخم بين الإمكانيات، وقبلها تمكن الفيتناميون من طرد الفرنسيين؟!
لو أن المقياس هو القوة فقط فلماذا غابت الشمس عن الإمبراطورية البريطانية التي كانت توصف بأنها لا يغيب عنها الشمس. وكيف تمكنت كل الدول التي كانت تحت الاحتلال البريطاني من دحر هذا الاستعمار وطرده ومنها مصر بعد ٧٠ سنة من الاحتلال؟
وبنفس المنطق كيف يمكن تفسير هزيمة فرنسا وطردها من البلاد التي كانت تحتلها خصوصا في إفريقيا؟ وكيف اندحرت البرتغال وإيطاليا، وكيف انتهى الاستعمار الإسباني من غالبية أمريكا اللاتينية؟!
لو أن الأمور تقاس بالقوة فقط فلماذا تمكن الأفغان من هزيمة أقوى دولتين عسكريتين في العالم وهما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة؟
سيرد البعض بأن كل الأمثلة السابقة لا تشبه الصراع العربي الصهيوني، وأن إسرائيل قوة استيطانية استحلالية تتسلح ليس فقط بالأسلحة الأشد فتكا ومنها النووية، ولكن بخرافات دينية وصراع ديني يمتد آلاف السنين؟!
والإجابة ببساطة هي أن الاستعمار الأوروبى الأبيض كان له نفس المنطق إلى حد ما حينما كان مستعمرا لجنوب إفريقيا لمئات السنوات، وارتكب نفس الجرائم تقريبا ضد السكان الأفارقة الأصليين، ورغم ذلك تمكن شعب هذا البلد العظيم من تحرير أرضه وإنهاء نظام الفصل العنصري بقيادة الراحل الكبير نلسون مانديلا.
لكن هل سوف ينتصر الفلسطينيون ويحررون أرضهم لمجرد أن الاستعمار يسقط من تلقاء نفسه؟
الإجابة هي لا، فهناك شروط موضوعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأهمها توحد الفلسطينيين وأخذهم بأسباب القوة، وصمودهم واستمرار مقاومتهم وكسب أكبر قدر من دعم دول الجوار وغالبية دول وشعوب العالم الحر. هناك شروط موضوعية يجب على الفلسطينيين اتباعها حتى ينتصروا، وحتى لا يكرروا نموذج الهنود الحمر لا قدر الله في أمريكا حينما تمكن الغزاة من إبادتهم.
("الشروق") المصرية