ظهر اليهود الرافضون للمذبحة في محطات القطارات بنيويورك وأمام سفارة الكيان الصهيوني في واشنطن، وفي الميادين الرئيسية بباريس ولندن وبروكسل وأمستردام، يطالبون حكومات الغرب أن تتوقف عن تصدير الأسلحة لحكومة الاحتلال، يرفعون شعار "دعوا غزّة تعيش"، ويؤبنون الطيار الأمريكي الذي أحرق نفسه دفاعًا عن غزّة، بينما استمر الخطاب الإعلامي والثقافي العربي ينظر لهؤلاء الجنود القتلة المدججين بالسلاح بأنهم "اليهود".
وفي إحدى حلقات مسلسل تلفزيوني شهير تناول مشاهد من الصراع المباشر الذي كانت تنخرط فيه مصر، كان الحوار يدور فى إطار "أسرلة" اليهود، بأقوال مثل "هجم علينا اليهود"، "إدينا لليهود علقة سخنة"، ناهيك عن مئات المؤلفات والدراسات الدينية والاجتماعية والفلسفية والسياسية التى وضعت اليهود واليهودية بتعميم كامل على طاولة بحث مسبق النتائج والأهداف.
النص الديني اليهودي اختطفه مؤسّسو هذا الكيان وجرى عبر عقود مأسسة هذا الاختطاف
ليس جديدًا الحديث عن وجود يهود ضد إسرائيل وضد المشروع الصهيوني، ووجود حاخامات يعتبرون تأسيس دولة الكيان الصهيوني خطيئة توراتية.
النمادج تلك كثيرة جدًا داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه فى كل بلد تضم جالية يهودية، وليس جديدًا أيضًا الحديث عن التفريق بين اليهودية والصهيونية، لكن يبقى داخل العقل العربي من ما زال يطرح المسألة بتطرّف عقيدي أو استسهال في التعميم، بخطاب لا يستفيد منه غير العدو الصهيوني، الذي تظل مصلحته المباشرة أن يبقى ويظل ويستمر ممثلًا لليهود ومتحدثًا باسم اليهودية في العالم كله.
إذا كانت حرب غزّة الإجرامية أسقطت أوهام كثر على رأسها الخطابات الأخلاقية الغربية الرسمية التي دُفنت تحت أنقاض الدمار الذي أحدثته القدائف الغربية الصنع، كما أسقطت وهم القوة الإسرائيلية القادرة التي ثبت أنها وبدون حبل سري ضخم مربوط بمخازن السلاح وخزائن الدولارات الغربية لا أمل لها في التسلّط على جيرانها لبضع ساعات، وأسقطت وهم القوانين والمعايير الدولية والمنظمات الأممية، فلا بد وقبل كل هؤلاء الساقطين أن يسقط الاحتكار الإسرائيلي لليهود واليهودية.
إسقاط إسرائيل من مكانة المتحدث الرسمي باسم اليهود والمُدافع عنهم والمُنظّم لهم، بل والمُعرف لمن هو اليهودي وما هي اليهودية، هو بداية طريق طويل للقضاء على السردية الإسرائيلية التى زرعتها في العقول بما فيها العقول العربية ما يسمح لها بنسج الأساطير الدينية والبناء عليها لخلق قيمة دينية لكيان قام على إزدراء حياة الآخرين، ومعاداة كل ما تدعو له الأديان، بل والسماح لها بممارسة نفود غير مستحق ولا مبرر على آلاف اليهود في العالم ممن يرفضون العيش على أرض مسروقة ومقتول أصحابها الأصليين.
خدم العقل العربي إسرائيل لعقود طويلة وهو يمنحها اعترافًا مجانيًا بتمثيل اليهود واليهودية في العالم، ومساعدتها بقدر كبير من الحماسة في خطف يهود العالم ونصوصهم الدينية عبر خطاب يمنح الكيان الغاصب ما يريد، بتعميم كبير في شيطنة اليهود، وسحب كل جرائم إسرائيل على كل اليهود بل وعلى النص الديني اليهودي ذاته الذي اختطفه مؤسّسو هذا الكيان وجرى عبر عقود مأسسة هذا الاختطاف إلى أن دوت صرخات اليهود الأحرار في كل العالم وبكل مكان "ليس باسمنا".
التمثيل الذي يدعيه الكيان الصهيوني لليهود واليهودية أكذوبة كبرى آن لها أن تسقط
وهو هتاف ليس موجهًا فقط للغرب وحكوماته وصنّاع القرار فيه، لكنه تنصل أخلاقي كبير موجّه للعالمين العربي والإسلامي - الذي سبق وما زال يكتوي بمحاولات ربطه بـ"داعش" والتنظيميات الإسلامية المتطرّفة - أنّ يهودًا تكاد أعدادهم تكافئ من يدعمون هذا الإجرام، دفعوا لعقود أثمانًا باهظة لمحاولات تنميطهم واحتكارهم وتأميم وجودهم، من كيان إجرامي وبدعم غير طبيعي ممن يُمارس عليهم هذا الكيان إجرامه.
هذا الهولوكست الدامي الذي ترتكبه قوات الاحتلال الصهيوني في غزّة ليس باسم يهود العالم.. وهذا التعميم في وصم كل اليهود "ليس باسمنا" كعرب.. وهذا التمثيل الذي يدعيه الكيان الصهيوني لليهود واليهودية، أكذوبة كبرى من أكاذيب كثيرة أسّست لمشروع إعادة إنتاج الهولوكست، وآن لها أن تسقط وإلى الأبد.
(خاص "عروبة 22")