بعد الاجتماع الخليجي الأميركي، عقد اجتماع خليجي صيني وأعقبه آخر بين دول مجلس التعاون وروسيا، كما تعقد هذا الشهر قمة خليجية مع دول آسيا الوسطي، يتوقع أن تعقبها اجتماعات أخرى مع بقية الأطراف الدولية والكتل الاقتصادية، مما ستكون له انعكاسات وتغيرات تعزز المكانةَ الاقتصادية والجيوسياسية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وإذا ما تطرَّقنا للقوى العظمى التي عُقدت معها قمم واجتماعات خليجية، فسنجد أن تنويعَ العلاقات مصلحةٌ خليجية بالأساس، وسيوفر ظروفاً ملائمةً للاستفادة من التغيرات الجارية في العالم، الرامية لإقامة نظام دولي متعدد الأطراف يتوقع أن تفرزه الأحداث والصراعات القائمة حالياً.
فالاجتماع الأول مع الولايات المتحدة سيمكّن دولَ المجلس من الاستفادة من القدرات التي يملكها الغرب بشكل عام، باعتباره شريكاً تقليدياً لدول المجلس، وبالأخص في مجال التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والتزود بالمعدات المتقدمة، في حين تحولت الصين إلى الشريك التجاري الأول لدول المجلس، كما تُعد أكبر مستورد للنفط الخليجي وهي سوق كبيرة لصادرات الألمنيوم والمنتجات البتروكيماوية، بحيث أصبح من الصعب تصور نمو الصادرات الخليجية من دون السوق الصينية، والتي هي بدورها تزود الأسواق الخليجية بالكثير من احتياجاتها.
أما روسيا الاتحادية فتحولت في السنوات الخمس الماضية إلى شريك استراتيجي لدول المجلس في مجال الطاقة، وبالأخص المحافظة على توازن أسواق النفط واستقرار أسعاره عند مستويات تتناسب ومصالح الدول المنتجة، إذ لا يمكن الوصل لمثل هذا الاستقرار والمحافظة عليه دون تعاون وتنسيق خليجي روسي. وذلك إضافة إلى الاتفاق على زيادة الاستثمارات بين الجانبين وتنمية التبادل التجاري، فدول المجلس، وبالأخص دولة الإمارات أصبحت مركز استقطاب سياحي واستثماري لروسيا، علماً بأن السوق الروسية الكبيرة يمكن أن تستقطب الكثيرَ من الصادرات الخليجية.
وإضافة إلى ذلك، ثمة بلدان مهمة أخرى مثل دول الاتحاد الأوروبي والهند واليابان وبريطانيا.. تسعى دول مجلس التعاون لتنمية العلاقات معها وإقامة شراكات اقتصادية، حيث قام رئيس الوزراء الياباني بجولة خليجية هذا الشهر لتطوير التعاون المشترك، كما تسعى المملكة المتحدة لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع دول المجلس.
هذا التنويع الخليجي في العلاقات الدولية سيحسِّن كثيراً من موقع منظومة دول التعاون ويزيد أهميتَها على الساحة الدولية، وسيمنحها مرونةً في تعاملاتها وستترتب عليه مكاسب اقتصادية كبيرة، وبالأخص فيما يتعلق بالتنوع الاقتصادي وتنمية الصادرات والحصول على أفضليات تجارية، وتنمية القطاع السياحي المزدهر.. مما سيساهم في تنويع مصادر الدخل وتوفير المزيد من الوظائف، كما أنه يستجيب للتغيرات المالية والتجارية والاقتصادية الجارية في العالم، بما فيها التغيرات في مجال الطاقة.
أما في المجال الجيوسياسي، فإن هذا التوجه سيمنح دولَ المجلس مرونةً كبيرة للمساهمة في حل القضايا والنزاعات الدولية، باعتبارها دولاً محايدةً ومقبولةً من مختلف الأطراف وتمتلك قوةً اقتصاديةً وماليةً مؤثرةً، مما سيعزز دورَها الإقليمي والعالمي. وفي نفس الوقت، فإن ذلك سيؤدي إلى إيجاد علاقات متنوعة والتعامل مع مختلف الأطراف من منطلق المصالح الخليجية أساساً.
ويؤكد ما سبق وأن أوضحتْه دولُ المجلس في مناسبات عديدة من أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع دون انحياز، وانطلاقاً من مصالحها الوطنية ومصالح بقية الأطراف التي تتعامل معها استجابةً للأوضاع الدولية التي تغيرت بصورة جذرية، وهو ما يستلزم تغيراً في التوجهات كي تعبّر عن المستجدات التي يشهدها العالَمُ حالياً.
إن عدم مجاراة هذه التطورات يعني فقدان المصالح وتفويت الفرص الاقتصادية التي تمكن الاستفادة منها وتسخيرها لخدمة التطور المستقبلي الذي يضمن استقرار دول المجلس ويؤدي إلى تنويع اقتصاداتها والخروج نهائياً من الاعتماد على الثروات النفطية والغازية غير الدائمة، وهو ما يتطلب تفهماً من بقية الأطراف دون حساسيات أو حسابات خاطئة، مما سيؤدي إلى استفادتها من علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول التعاون.
(الاتحاد)