صحافة

الحل الأمريكي.. الانتصار لإسرائيل أولًا وأخيرًا!

عبدالعليم محمد

المشاركة
الحل الأمريكي.. الانتصار لإسرائيل أولًا وأخيرًا!

لم تجد الإدارة الأمريكية الديمقراطية مدخلا مناسبا لتحقيق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، أفضل من المدخل الإنساني والإغاثي وحماية المدنيين الفلسطينيين، وبلورة خطاب إنساني وأخلاقي يكفل تحقيق الأهداف المتشابكة والمتداخلة الأمريكية والإسرائيلية؛ إزاء استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية؛ حيث يحقق مثل هذا المدخل وهذا الخطاب أهدافا داخلية أمريكية تتعلق بصورة المرشح الديمقراطي «بايدن»؛ أي رفع الحرج الأخلاقي عن الإدارة الأمريكية وإبداء اعتراضها على قتل المدنيين وتبرئتها من الشبهات الأخلاقية، وتسويق الصورة الإعلامية الجديدة للإدارة الأمريكية التي تنأى بنفسها عن الموافقة على استمرار قتل المدنيين والظهور بمظهر الاعتراض على المسلك الإسرائيلي في الحرب الدائرة، وكذلك الاحتفاظ بتماسك الجبهة الغربية التي تدعم وتؤيد إسرائيل من الدول الأوروبية والتي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من وقف هذا التأييد بسبب الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني.

وهذه الزاوية الإنسانية والأخلاقية التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفذ منها إلى غزة والشرق الأوسط، وترتيب الأوضاع وفقا للأهداف الإسرائيلية الأمريكية، لا تقف ولا تقتصر عند حدود الإنساني والإغاثي والأخلاقي، بل هي تتضمن مكونا سياسيا واضحا لا يرقى إليه شك، حيث إن الإدارة الأمريكية قد منحت إسرائيل موافقتها ليس فقط على أهداف الحرب المعلنة من قبل إسرائيل؛ أي القضاء على حماس والمقاومة وشطبها من أية معادلة بعد الحرب، وتحرير الرهائن واستمرار الحرب، بل والموافقة على الإجهاز على كتائب حماس في رفح بطرق مختلفة وبديلة لخطة الاجتياح الإسرائيلي البري لرفح، ووافقت الولايات المتحدة على تزويد إسرائيل بالمعدات والعتاد والذخائر اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وفي الوقت نفسه إنشاء الميناء المؤقت في غزة لتزويدها بالمساعدات الإنسانية، وهو ما يعني عدم ممارسة ضغوط على إسرائيل لفتح المعابر البرية لمرور المساعدات، وبذلك تخفف الولايات المتحدة من الحرج الواقع على إسرائيل دون أن تضغط عليها. طيلة الشهور الخمسة الأولى للحرب عارضت الولايات المتحدة الأمريكية وقف إطلاق النار في غزة، بعدما لم تتمكن من تمرير قراراتها في مجلس الأمن، والتي كانت تدين حركة حماس بسبب الفيتو الصيني الروسي، وعندما وافقت على القرار الأخير للمجلس بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين (بالامتناع عن التصويت) حاولت أن تخفف من وقعه على إسرائيل بالقول إن هذا القرار غير ملزم، وهو ما يعني فتح الباب أمام إسرائيل لعدم تنفيذه.

تضافر المكون الإنساني والإغاثي والأخلاقي مع المكون السياسي للحل على الطريقة الأمريكية، لا يحجب طبيعة هذا الحل ومعالمه ذلك أن الهدف الأول لهذا الحل هو إنقاذ إسرائيل من نفسها، والحؤول دون نتنياهو ودون إمساكه بخيوط الحل واحتفاظ الولايات المتحدة الأمريكية بالقدرة على ترتيب الأمور على النحو الذي يتوافق مع مصالحها الإستراتيجية في الإقليم والمصالح الإسرائيلية، وتخفيف عزلة إسرائيل الدولية والحفاظ على أمنها وينخرط ضمن أهداف الحل الأمريكي استرضاء الجانب العربي المتمسك بحل الدولتين والذي يقوم بدور مهم في الوساطة في صفقة التبادل، وكذلك إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وتعزيز دورها في مرحلة ما بعد الحرب في غزة وتمهيد الشروع في حل الدولتين الذي يتردد صداه في أغلب التصريحات الصادرة عن مسؤولين دوليين وأمريكيين. الحل الأمريكي ينطوي على المزاوجة بين تحقيق هدفين متعارضين من وجهة النظر الإسرائيلية، الأول الحرص على أن تحصل إسرائيل على صورة للنصر في الحرب على غزة تتمثل في تحقيق متطلبات الأمن الإسرائيلي أي التخلص من حماس وشطبها من المعادلة الفلسطينية، وتحرير الأسرى والمتحجزين لدى حماس، أما الهدف الثاني فيتمثل في البحث عن أفق حل الدولتين واسترضاء الشعب الفلسطيني ونزع فتيل الصراع، والحال أن الحل الأمريكي يكاد يقترب من الأوهام والسراب، ذلك أن الولايات المتحدة جادة فيما يتعلق بتحقيق الأمن الإسرائيلي، وتضع كل ثقلها في اتجاه تحقيق هذا الهدف، أما الدولة الفلسطينية فهو بحاجة إلى ضغوط قوية من الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، ولم تشرع فيها حتى الآن خاصة مع وجود الائتلاف اليميني الديني المتطرف في إسرائيل وحالة التعبئة النفسية والسياسية ضد الشعب الفلسطيني، ورغم العزلة الدولية الحالية لإسرائيل فإنها لا تمثل حتى الآن خطراً كبيراً على إسرائيل وفق العديد من المراقبين الإسرائيليين والذين يرون أن الجبهة الدولية تعد سابع جبهة بعد غزة ولبنان واليمن وإيران والضفة الغربية وسوريا، الضرر الذي لحق بصورة إسرائيل على الصعيد الدولي كدولة مارقة تقتل الأطفال والنساء وتمارس جرائم الإبادة والتجويع لم يبلغ بعد حد فرض العقوبات وممارسة الضغوط اللازمة.

الائتلاف اليميني الديني والقومي المتطرف يرفض على طول الخط المواقف الأمريكية بشأن غزة، يرفض الإفصاح عن خطة اليوم التالي للحرب كما يرفض عدم المساس بمساحة غزة بعد أن تقتطع شريطا أمنيا بمحاذاة الحدود الإسرائيلية ويرفض مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة غزة ويرفض التخلي عن السيطرة الأمنية على غزة، ويطالب في الوقت ذاته بإعادة الاستيطان في غزة، لم يوافق هذا الائتلاف على شيء إلا ما تعلق بالميناء المؤقت في غزة والجاري إنشاؤه؛ لأنه ينخرط في صميم الأهداف الإسرائيلية وينطوي على احتمالات مختلفة لاستفادة إسرائيل منه في مرحلة لاحقة.

بالإضافة إلى ذلك فإن وقوف نتنياهو والائتلاف الحاكم في مواجهة المطالب الأمريكية، يمنح هذا الائتلاف قوة وشرعية تتعلق بالحفاظ على استقلال إسرائيل وقدرتها على الصمود في وجه الضغوط الوافدة من الخارج ويؤكد ما قاله نتنياهو إن إسرائيل ليست جمهورية موز تقبع في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية. الحل الأمريكي وخطوطه العريضة المشار إليها يتطلب الحذر والوعي بالمسكوت عنه والمضمر، صحيح أن الدول العربية ليست في غنى عن الاشتباك مع بنود الحل والتشديد على المطالب العربية في الدولة الفلسطينية وحل الدولتين وذلك عبر الإصرار على حدود الدولة الفلسطينية وهى الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك تجنب الدخول في مراحل انتقالية غالبا ما تتحول إلى مراحل دائمة والمطالبة بعدم إرجاء القضايا الأساسية للدولة كالحدود والمياه واللاجئين، ذلك أن إسرائيل تعول على المتغيرات والمستجدات للمماطلة والتأصيل والتسويف، وقدرتها تفوق قدرة العرب على استثمار هذه المعطيات والمتغيرات لصالحها.

في سياق تأمين المطالبة العربية يجيء المطالبة بمؤتمر دولي يتم فيه إقرار الحل أي حل الدولتين يكون ملزما ومحددا تطبيقه لمدة معينة، ويستند إلى قرارات الشرعية الدولية، المعادلة الأمريكية المطروحة الآن يتمثل حدها الأول في عدم توسيع نطاق الصراع وتأمين صورة لانتصار إسرائيل على المقاومة والقضاء على حركة حماس وتأمين حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية وعودة المستوطنين أي تحقيق الأمن الإسرائيلي كما تراه المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، أما حدها الثاني فيتمثل في الوعد بدولة فلسطينية، وفي حين أن الأمن الإسرائيلي ومتطلباته تأخذ مجراها في التطبيق بحكم طبيعة العلاقة الإستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فإن وعد الدولة الفلسطينية يظل غامضا وغير معرف ويفتقد إلى الضمانات الحقيقية التي تكفل ترجمته إلى دافع، ذلك أن السياسة الأمريكية حتى الآن إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ترتكز إلى دعم إسرائيل بالسلاح وتوفير الغطاء السياسي لسلوكها ومطالبها وتقديم الوعود والكلام للشعب الفلسطيني والدول العربية والتي سرعان ما تتحول إلى سراب، وذلك رغم إدراك الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أن تعثر حل الدولتين هو السبب الأول في التطورات الراهنة إن في غزة أو في المنطقة بشكل عام.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن