وجهات نظر

تجارب الوحدة عالميًا.. ماذا نتعلّم منها؟

بأيّ نظرة على الخريطة السياسية للعالم المعاصر، سنجد أنّ التكتلات الإقليمية والعابرة للإقليم تأسّست بحثًا عن تعزيز مصالح أو تثبيت نفوذ، الأمر الذي يضع العرب أمام سؤال المصير المشترك في زمن التكتلات، فهل لديهم الوعي الكافي للبحث عن شكل للعمل المشترك الفاعل بما يواكب العصر ويستفيد من التجارب السابقة والمعاصرة لإنجاز مشروع وحدوي يكون محل توافق عربي؟

تجارب الوحدة عالميًا.. ماذا نتعلّم منها؟

الحديث عن الوحدة يكتسب زخمه من الأزمات التي تثبت أنه لا مفر من الوحدة في زمن التكتلات السياسية والاقتصادية، ونحن كعرب في زمن أزمة، لذا الحديث عن العروبة والوحدة صار أولوية نستطيع من خلالها أن نجسر خلافاتنا ونفكّك أزماتنا ونعبر إلى المستقبل.

في خطاب المستقبل، علينا الاستفادة من مسارين من التجارب، الأول مسار تجارب الوحدة العربية الذي تشغل تجربة الوحدة المصرية/ السورية الذروة فيه، بما في ذلك نماذج أخرى وصولًا لنموذج عقلاني يكتب له النجاح حتى تاريخه ممثلًا في تجربة الإمارات العربية المتحدة، مع الإدراك الكامل لخصوصية هذه التجربة واحترام سياقها، إلا أنها تعطي الأمل في إمكانية تحقيق وحدة على مستوى أكبر.

إنّ تجارب العرب الوحدوية في القرن الأخير تحتاج دراسة تقوم على الفهم، أي محاولة تفهم أسباب قيامها وأسباب فشلها أو تعثّرها أو نجاحها، لكنها وحدها لا تكفي.

تأسيس الوحدة على المصلحة المشتركة يختصر الكثير من المشاكل والتعقيدات

المسار الثاني يتعلق بالسياق العالمي، عبر دراسة الحالات المختلفة لنماذج الوحدة التي يمكن البناء عليها والاستفادة منها سواء كانت ناجحة أو فاشلة، فمثلًا علينا النظر بتمعّن إلى الوحدة الألمانية في القرن التاسع عشر ثم تجددها في نهاية القرن العشرين، وعلينا كذلك دراسة تجربة الاتحاد السوفيتي ولماذا انتهى إلى سلسلة من الانقسامات واستقلال الدول، كذلك يجب الاستفادة من تجربة الاتحاد الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعطي مساحات واسعة من الحركة لكل ولاية، كما يجب مقارنته بتجربة الاتحاد الأوروبي، حتى في تعثّر الأخير وأزماته يمكن الاستفادة بالاستعداد لما قد يواجه مستقبلًا اتحادًا عربيًا على المستوى نفسه.

إنّ التجارب العالمية للوحدة والتكتل تقول إنه لا مفر من الوحدة العربية، ليس باعتبارها رفاهية أو هيمنة عاصمة بعينها على بقية العواصم، فالدرس الأكبر الذي نستطيع أن نخرج به من دراسة مختلف تجارب الوحدة على تعدّدها، هو أنّ الوحدة تقوم أساسًا على فرضية تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح المشتركة، لا يعني هذا أنّ المشترك الثقافي واللغوي والحضاري والاجتماعي غير مهم، ولكن تأسيس الوحدة على المصلحة المشتركة يختصر الكثير من المشاكل والتعقيدات.

عند درس تجارب الوحدة العالمية، يجب أن ننتبه إلى أنّ الحديث عن الوحدة لا ينفصل عن الحديث عن الديمقراطية

التحالف المصلحي كبداية للوحدة، مهم لأنه يتجاوز ميراث الشك وانعدام الثقة في لحظات بعينها كما يؤسس لعلاقة صحية كي لا يتاجر البعض فيها بالشعارات التي تضيع معها الحقائق ومصالح الشعوب، فغرض الوحدة لكي يصبح حقيقة يجب أن يكون بشكل حصري في تحقيق مصالح الشعب العربي وإنجاز رفاهيته، وليس تحقيق زعامات بخطب رنانة، وهذا يستدعي أمرًا آخر لم يتوفر في المنطقة العربية بعد، وهو حضور الشعوب في دائرة صنع القرار، أو أن تضمن وجود قنوات يصل صوتها من خلالها إلى صانع القرار.

عندما نقف عند دروس تجارب الوحدة العالمية، يجب أن ننتبه إلى أنّ الحديث عن الوحدة لا ينفصل عن الحديث عن الديمقراطية، باعتبار أنّ الوحدة بأي صورة كانت هي فعل الشعوب، لذا إذا توجهنا صوب المستقبل فالبداية ستكون من حركة الشعوب، أي الاستماع إلى صوتها وإلى حضورها الذي يجب أن يدعمه مجتمع مدني فاعل وحقيقي على الأرض، فالهدف الأكبر والأهم الذي نتعلّمه من تجارب الوحدة عالميًا أنّ ديمقراطية الشعوب كانت حاضرة دومًا في القلب منها، وهذا هو الدرس الذي يجب أن يعمل العرب على تطبيقه في طريقهم نحو الوحدة أي كان شكلها النهائي. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن