قضايا العرب

الجمود السياسي في ليبيا.. بين تهافت النخبة ودروس "فنّ الطبخ"!

على الرغم من توالي التحذيرات الغربية والأممية من خطورة استمرار حالة الجمود السياسي الراهن في ليبيا وانعكاسها على استقرار ووحدة أراضي البلاد، استدعت الأطراف المحلية للأزمة المعارك المؤقتة، فيما انشغل بعض السفراء الغربيين بتقديم دروس في فن الطبخ إلى الشعب الليبي، في مشهد عبثي تغيب عنه الانتخابات المؤجلة في البلاد.

الجمود السياسي في ليبيا.. بين تهافت النخبة ودروس

نيكولا أورلاندو سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا لفت خلال اجتماعه الأخير بالعاصمة طرابلس  مع عبد الله باتيلي رئيس بعثة الأمم المتحدة هناك إلى خطورة الجمود المثير للقلق في العملية السياسية، ما يهدد مستقبلًا استقرار ووحدة ليبيا.

لكن محاولة نيكولا الإيطالي الأصل، لحث "أصحاب المصلحة الرئيسيين"، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لأخذ البلاد إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، لم تلقَ صدى على ما يبدو لدى المعنيين.

رواية محاولة "الاغتيال"

تتعاظم مشكلة ليبيا، مع لجوء نخبتها السياسية إلى استدعاء الأزمات المحلية، سواء المرتبطة بفرض ضريبة على النقد الأجنبي، أو استمرار إنتاج وضخ النفط للخارج، على حساب مستقبل الانتخابات، التي دخلت في غياهب النسيان، ولم تعد في الوقت الحالي أولوية لكل الأطراف السياسية في البلاد.

لم تشترِ البعثة الأممية ولا أي من السفارات الغربية والعربية العاملة في العاصمة الليبية، الرواية التي سرّبها رئيس حكومة الوحدة الانتقالية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة عن تعرّض منزله في ضاحية الأندلس بغرب طرابلس لهجوم صاروخي.

فقط، خرج وزير في حكومة الدبيبة بدون تعريفه، لتأكيد الخبر لوكالة رويترز، لافتًا إلى أنّ الهجوم تسبب في بعض الأضرار، لكنه لم يكشف عن مزيد من التفاصيل.

وروى اثنان من المواطنين أنهما سمعا انفجارات ضخمة بالقرب من البحر في حي الأندلس الفاخر بطرابلس، بينما لم تتبنَّ أي جماعة المسؤولية عن الهجوم، وامتنع الدبيبة أو خصومه عن التعليق على ما جرى كأنه حدث في دولة أخرى.

بالإضافة إلى منزل الدبيبة، تعرض أيضًا مكتب ابن عمه ومستشاره في الوقت نفسه، إبراهيم الدبيبة الكائن في المنطقة نفسها، على مقربة من فيلا يستخدمها الدبيبة غرب وسط طرابلس كمكتب لهجوم آخر. وبحسب وسائل إعلام محلية، لم يكن إبراهيم الدبيبة في المنزل، عندما ضربت القذيفتان مكتبه وسقف فيلاه المجاورة.

في الواقع، كان إبراهيم في ضيافة القائم بأعمال السفارة الأمريكية جريمي برنت، مع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة، في حفل إفطار رمضاني، ناقشوا خلاله سبل كسر الجمود السياسي في ليبيا، بالإضافة إلى المستجدات في المنطقة.

شكوك غربية

خلافًا لما كان متوقعًا، لم تعلق أيضًا البعثة الأممية، أو أي سفارة أجنبية في ليبيا، على ما حدث، وهو ما اعتبره مصدر دبلوماسي غربي في طرابلس، تحدث لـ"عروبة 22"، بمثابة مؤشر على وجود شكوك حقيقة في صحة هذه الرواية.

بالنظر إلى حقيقة احتكار الميلشيات الموالية للدبيبة، بدعم تركي إمكانية إطلاق طائرات مسيّرة بدون طيار، فإنّ افتراض وجود معارضة مسلّحة للدبيبة في طرابلس، تسعى لإقصائه أو قتله، ربما يكون مجرد اختراع للاستهلاك المحلي، وفقا للمصدر الديبلوماسي نفسه، الذي أضاف: "يصعب تصديق هذه القصة خاصة مع عدم وجود أي تفاصيل حقيقية يمكن إخضاعها للتحقيق".

ورغم أنّ الدبيبة، يدعي شفافية حكومته فإنه التزم الصمت، واكتفى بالظهور مع محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، في صورة تداولتها وسائل إعلام محلية، ولم يتم نشرها رسميًا حتى اللحظة.

ورفض محمد حمودة الناطق باسم حكومة الدبيبة، ونجوى وهيبة الناطقة بلسان المنفي، التعليق لـ"عروبة 22" على الحادث الذي سرعان ما طواه النسيان، على نحو مثير للدهشة والاستغراب في آن واحد.

ومع ذلك، نجح الدبيبة في جر خصومه إلى معارك وهمية بعيدًا عن الانتخابات، التي سبق أن فشل في إجرائها على الرغم من تعهده بذلك فور انتخابه، في عملية سياسية اعتراها الفساد السياسي والرشاوى المالية، برعاية أممية في سويسرا، قبل نحو عامين.

وعوضًا عن تحديد موعد للانتخابات، التي كان يفترض أن تتم نهاية عام 2022، لجأ الدبيبة إلى مهاجمة مجلس النواب والصديق الكبير محافظ المصرف الليبي المركزي، والتقليل من شأن سعيهما لفرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي.

سفير بريطانيا و"دروس الطبخ"

ليبيا، التي لا تزال تعاني من الحرب منذ سنوات بعد الإطاحة بالديكتاتور الطويل الأمد معمر القذافي، كما تعاني من فراغ قاتل في السلطة المقسمة بين الشرق والغرب، بحضور الميلشيات المسلحة وجيش المرتزقة الذين جلبتهم تركيا إلى البلاد، تعاني في الواقع أيضًا من استمرار نهب ثروات الشعب الليبي، بينما توقف الدبلوماسيون الأجانب، عن لعب دورهم، السياسي وتحوّلوا إلى تقديم دروس علنية ومجانية في الطعام!.

بلغة عربية ركيكة، ينصح مارتن لونغدن السفير البريطاني، متابعيه من الشعب الليبي على وسائل التواصل الاجتماعي، بمتابعة نشاطه الجديد، ليس في السياسة، ولكن في فنون الطبخ، قائلًا بلغة عامية: "أنا سعيد..  شن هيا الوجبة اللي مفروض انطيبها؟".

وعبر حسابه على "إكس" بدأ مارتن في نشر مواهبه الدفينة، وإظهار قدرته على الطبخ في بلد يقبع تحت الضغط ومهدد بالانفجار، بفعل عجز نخبته السياسية والمجتمع الدولي عن تنصيب حكومة موحّدة تدير شؤون البلاد، بعد مرور أكثر من 13 عامًا على الإطاحة بنظامه السابق.

وتتضاعف مشكلة السفير البريطاني مع الليبيين، بعدما خرج عليهم بمقال، اعتبر فيه أنّ ليبيا على مفترق الطرق، باعتبار أنها تعاني الآن مما وصفه بحالة من الاضطراب والانقسام والضعف، تنطوي على مخاطر ومشكلات لجميع جيرانها.

امتلك سفير المملكة المتحدة لدي ليبيا، سيرة شخصية محدودة، حيث خدم في الدوحة وكابول وبيروت ودمشق، قبل أن يحط رحاله أخيرًا في العاصمة الليبية طرابلس، كأحدث سفير لبريطانيا هناك.

وكجزء من الترويج لعمله السياسي المخلوط بقدر كبير من السياحة، استبق مارتن لحظة تعيينه، بإظهار حماسه لبدء عمله والتعرّف على الناس والأماكن فيما وصفه بهذا البلد الرائع.

ورغم الحفاوة التي تلقى بها بعض الليبيين المسألة، التي تداولتها وسائل الاعلام المحلية، قال أحدهم هذا معناه "طبخ الشعب الليبي"، لافتًا إلى أن تدخل بريطانيا للإطاحة بنظام القذافي عام 2011، هو في الحقيقة سبب خراب ليبيا وعدم استقرارها.

وفي حديث المؤامرات البريطانية، حذرت وسائل إعلام محلية ليبية مما وصفته بمؤامرة جديدة يقودها وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أحد قادة الحرب على ليبيا عام 2011، تستهدف إقصاء المرشح الرئاسي سيف الإسلام نجل العقيد الراحل معمر القذافي من أي انتخابات قادمة، مشيرةً إلى أنّ البعثة الأممية رفضت طلبًا بريطانيًا بالخصوص، على اعتبار أنّ نجاح الانتخابات يتطلب مشاركة الجميع، دون إقصاء.

المخاوف الكامنة

وبينما يُعتقد أنّ بديل المسار السياسي، الذي يعني العودة إلى الاقتتال، هو خيار كارثي، لا يجوز التفكير فيه، تتعزز المخاوف من إمكانية عودة العنف المسلح للبلاد، ويواصل اللاعبون الرئيسيون في ليبيا، ركل الكرة من وقت لآخر، وإضاعة المزيد من الوقت، كأنهم في مباراة مملة، من دون إدراك الخطورة المترتبة على إمكانية تحوّل هذه الكرة، في أي وقت من مجرد لعبة لقتل الوقت إلى قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت.

ويرصد تقرير أمريكي صدر مؤخرًا، أنّ هذه الاستراتيجية التي تسمح بتأخير الانتخابات، وتمنح الفصائل المسلحة السيطرة على الأراضي والنفوذ الإقليمي على المناطق الاستراتيجية مثل حقول النفط والمؤسسات السياسية والقواعد العسكرية، ستؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار.

الحاصل أنّ ليبيا، التي لم تعرف الكثير من السلام أو الاستقرار منذ الانتفاضة الشعبية التي دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011، لا زالت بعيدة عن تحديد موعد جديد للاستحقاق الانتخابي، بينما تستغل نخبتها السياسية حالة "اللا سلم واللا حرب" ، لمواصلة استهلاك الزمن، بعيدًا عن أي جهد إقليمي أو دولي لإنقاذ الشعب الليبي، الذي لا زال يدفع ثمنًا باهظًا لكل ما يجري على الأرض.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن