بعد شهور ستة من اندلاع الحرب، لقد أصبح من الجلي أنّ إسرائيل التي أصبح يحكمها المستوطنون الحريصون على التصفية الكاملة للوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة، فشلت في مشروعها السياسي والعسكري وأصبحت في وضع مسدود لا مخرج منه. فرغم العدد الهائل من الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين، لم تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية، في الوقت الذي خسرت نهائيًا معركة الرأي العام الدولي .
للاعتراف بأنّ فلسطين دولة محتلّة بدلًا من إضاعة الوقت في مبادرات التفاوض السلمي العقيمة
بيد أنّ صنبر لا يعطي اهتمامًا كبيرًا لتغيّر المواقف الرسمية الدولية، معتبرًا أنّ الإدارة الأمريكية في الوقت الذي تصدر بيانات تنتقد فيها سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو توفر له كل احتياجاته من العدة والسلاح التي بدونها لا يمكن للعدوان أن يستمر .
أما الدول الأوروبية التي أعربت عن استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة مثل إسبانيا وإيرلندا ومالطا وسلوفنيا، فلا يبدو أنها قادرة على فرض خيار دبلوماسي دولي ناجع .
الحل الذي يقترح صنبر، هو فرض وضع قانوني جديد من خلال الاعتراف بأنّ فلسطين دولة محتلّة ومن ثم الإقرار لها بحقوق الاستقلال والسيادة، بدلًا من إضاعة الوقت في مبادرات التفاوض السلمي العقيمة.
ما نستخلص من أطروحة صنبر، هو أنّ كلا الأطروحتين اللتين برزتا في السنوات الأخيرة (التفاوض حول الحل النهائي في فلسطين من خلال المباحثات المباشرة والرعاية الدولية، ونظام الفصل العنصري الاستيطاني في المناطق المحتلة) قد ثبت فشلهما.
مقاربة التفاوض المباشر التي كانت النتيجة البارزة لمسار مدريد - أوسلو أخفقت منذ نهاية التسعينيات، بعدما تنصلت المؤسسة السياسية الحاكمة في إسرائيل من مرجعية السلام وتفاهامت الحوار الثنائي السابق، في الوقت الذي لم تضطلع القوى الدولية الراعية (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي) بمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية في فرض الحل السياسي الوحيد الممكن الذي هو خيار الدولة الفلسطينية المستقلة في حدودها التي كرّسها القانون الدولي. وعلى الرغم من أنّ المجموعة العربية قدّمت في قمة بيروت (٢٠٠٢) مشروعًا مكتملًا للحل على أساس هذه المرجعية القانونية، إلا أنّ الأطراف الراعية للمسار السلمي لم تقدّم له الدعم الفعال والناجع.
أصبح الحل المطروح هو الرجوع إلى الدولة الواحدة الديمقراطية والمتعددة قوميًا على أرض فلسطين الكبرى
وقد ظهر من الواضح منذ بداية العقد الماضي أنّ الإجماع السياسي في إسرائيل أصبح قائمًا على خيار الفصل العنصري الذي يعني عمليًا القضاء على كل مقوّمات الدولة الفلسطينية المستقلة من خلال إجراءات الضم والاستيطان والتصفية العرقية مع إنكار الحقوق السيادية الفلسطينية في الأرض المحتلة. إلا أنّ هذا المشروع فشل فشلًا ذريعًا على الأرض، بحيث أصبح الحل المطروح على نطاق واسع هو الرجوع إلى الدولة الواحدة الديمقراطية والمتعددة قوميًا على أرض فلسطين الكبرى، وهو الخيار الذي يعني عمليًا وأد المشروع الصهيوني ونهاية "الدولة القومية اليهودية".
في كتابه الأخير الصادر بعنوان "شعبان في دولة واحدة؟"، يتساءل المؤرخ الإسرائيلي شلومو صاند ما إذا كان التيار الصهيوني اليميني المتطرّف والديني المتشدد قد قوّض نهائيًا فكرة الدولة اليهودية من خلال تقويضه لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، مستنتجًا أنّ النضال القادم يجب أن يتمحور حول حقوق المساواة الكاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أرض جامعة لم يعد بالإمكان تقسيمها والفصل بين مكوّناتها. وبهذا المعنى يكون نتنياهو هو العدو الحقيقي لإسرائيل وللمشروع الصهيوني.
(خاص "عروبة 22")