صحافة

فيتو أمريكي ضد الدولة الفلسطينية.. لا جديد

عماد الدين حسين

المشاركة
فيتو أمريكي ضد الدولة الفلسطينية.. لا جديد

هل يحق للولايات المتحدة أن تتحدث بعد الآن عن أنها تؤيد حل الدولتين، بعد أن استخدمت الفيتو مساء الخميس الماضى للاعتراض على مشروع قرار جزائري بمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، وهو القرار الذي وافقت عليه ١٢ دولة من بينها فرنسا، وامتنعت عن التصويت عليه بريطانيا وسويسرا؟.

وربما يسأل البعض، وهل كان مناسبا أن تتحدث الولايات المتحدة عن حق الدولتين في الماضي؟

‎ربما كان هناك عدد لا بأس به من «المخدوعين العرب» يصدق أن الولايات المتحدة تؤيد حل الدولتين خصوصا الإدارات الديمقراطية، وبالأخص إدارة الرئيس الحالي جو بايدن الذي قال في حملته الانتخابية أنه يؤيد هذا الحل.

‎لكن الذي حدث في مجلس الأمن مساء الخميس الماضي وضع النقاط على الحروف، وجعل الجميع في المنطقة العربية يدرك أنه حينما يجد الجد، فإن الولايات المتحدة تصف بجوار إسرائيل تماما، بل في بعض الحالات فإنه لا يمكنك أن تفرق بين إسرائيل والولايات المتحدة.

‎ من الحسنات القليلة جدا للعدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر على قطاع غزة أنه كشف حقيقة كل اللاعبين والفاعلين في القضية الفلسطينية، ولم يعد بمقدور أحد أن يستمر في وضع المساحيق على وجهه، والسبب أن وحشية العدوان وهمجيته أزالت وأسالت كل المساحيق، خصوصا في الولايات المتحدة.

‎الموضوعية تقول إن هناك أصواتا شعبية لا بأس بها في الولايات التحدة انحازت إلى إنسانيتها وضميرها واصطفت مع الحق الفلسطيني. وهناك أصوات ضحت بمناصبها ومصالحها ونطقت بالحق، لكن الواقع يدفعنا للقول إن هذه الأصوات لا تزال قليلة وصغيرة، حينما يتم مقارنتها بالتأييد الواسع للسياسات الإسرائيلية في الكونجرس بمجلسيه، وداخل وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث وكبريات الشركات الأمريكية.

‎معظم العرب يتذكرون في مثل هذه المناسبات عدد المرات التي استخدمت فيها الولايات المتحدة حق الفيتو لحماية إسرائيل في مجلس الأمن منذ زرعها في المنطقة عام ١٩٤٨، وإجهاض أي قرار لإنصاف الفلسطينيين.

‎لكن الأمر مختلف نوعا ما هذه المرة والسبب أن الإدارة الأمريكية نفسها وعلى لسان أكثر من مسؤول صغيرا كان أو كبيرا، أعلن بوضوح أنه لا يوجد حل للقضية الفلسطينية سوى بتأييد حل الدولتين، أي الدولة الفلسطينية بجوار الدولة الإسرائيلية القائمة.

‎ونتذكر أن ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني فاجأ الجميع يوم ٢٩ يناير الماضي وأعلن أن بلاده تدرس مع حلفائها ومع الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بصورة لا رجعة فيها. وقتها قال كثير من العرب: «أخيرا بريطانيا ستعتذر عمليا عن وعد بلفور المشؤوم الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا الأسبق أرثر بلفور حينما قدم لليهود وعدا، بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني».

‎بعد تصريح كاميرون قال كثير من الخبراء إنه لا يمكن لبريطانيا أن تتحدث عن هذا الأمر المهم، من دون تنسيق كامل مع الولايات المتحدة، واستدلوا على كلامهم بأن غالبية المسؤولين الأمريكيين تحدثوا عن نفس الأمر بصور متفاوتة، لكن يجمع بينهما ضرورة حل الدولتين.

‎كل ما سبق كان كلمات وتصريحات فقط، وحينما وصلنا إلى مرحلة الجد والفعل في مجلس الأمر استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» لإجهاض القرار الذي كان يمكن أن يمثل بارقة أمل للشعب الفلسطيني وهو يواجه المذبحة الأبشع في التاريخ الإنساني.

‎سوف تتحجج واشنطن بمئات الحجج لتبرير الفيتو من قبيل أن القرار قد يعوق أي مفاوضات وأن الحل لا يأتي عبر التحركات في المحافل الدولية.

‎التصويت الأمريكي هو رسالة لكل من يهمه الأمر خصوصًا المراهنين على «الوسيط الأمريكي» بأن واشنطن تصر منذ ٧ أكتوبر الماضي على أنه لا يوجد أي فارق بينها وبين إسرائيل، لكن المشكلة هي أن بعض العرب لا يريدون أن يدركوا ذلك. لا أدعو إلى اليأس أو الإحباط ولكن فقط أن نرى الأمور بوضوح ونسمي الأمور بمسمياتها حتى نتحرك بصورة صحيحة.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن