صحافة

فرصة ذهبية لاستعادة شعبية الحكومة

عماد الدين حسين

المشاركة
فرصة ذهبية لاستعادة شعبية الحكومة

أمام الحكومة فرصة ذهبية هذه الأيام لاستعادة جزء كبير من الشعبية التي فقدتها في الشهور الماضية، بسبب الارتفاعات الجنونية في معظم أسعار السلع والخدمات الناتجة عن ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الجنيه.

في الشهور الأخيرة تلقت الحكومة هدية هي أقرب إلى المعجزة، والمتمثلة في صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم الاتفاقات مع صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي وبقية شركاء التنمية. هذه الحصيلة الدولارية غير المسبوقة مكنت الحكومة من توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء، وتوفير الدولارات للمستوردين في البنوك الرسمية لاستيراد سلعهم أو الإفراج عما هو موجود في الموانئ، وبالتالى بدأت أسعار السلع تستقر إلى حد كبير. بعضها انخفض، وبعضها لم يشهد زيادة جديدة، مقارنة بالأيام الصعبة التي كانت السلع تشهد زيادات أكثر من مرة يوميًا.

وزارة التموين مشكورة أعلنت الأسعار الجديدة المنخفضة للخبز الحر والفينو، يوم الأحد الماضي، كما أعلنت العقوبات التي سيتم فرضها على أصحاب المخابز المخالفة للأسعار والأوزان الجديدة، والتي تشمل الغرامة الكبيرة ومصادرة الدقيق وتصل إلى إغلاق المخبز.

وعلى أرض الواقع فإن عدد الذين التزموا بهذه القرارات ما يزالون قلة، وبالتالي فإن عدم تطبيق القرارات بصرامة سوف يعني مزيدًا من الغضب الشعبي، وترسيخ الصورة الخاطئة بأن كل ما تفعله الحكومة مجرد تصريحات وإجراءات على الورق، وإنها تحابي كبار التجار الجشعين، حينما تتركهم يفعلون ما يحلو لهم على حساب غالبية المواطنين.

السؤال: ما الذي يمنع الحكومة وأجهزتها الرقابية المختلفة من توجيه ضربات قاضية لهذه النوعية من التجار والباعة معدومي الضمير؟

لا أطالب إطلاقًا بمخالفة قواعد السوق والمنافسة الشريفة أو سجن الناس بالمخالفة للقانون، وأظن أن كل مستثمر ورجل أعمال حقيقي لا يكون سعيدًا إطلاقًا بهذه الفوضى والعشوائية الموجودة في السوق، والتي لا تستفيد منها إلا قلة من المحتكرين معدومو الضمير.

ما أطالب به هو أنه ما دامت أن الحكومة اجتمعت مع اتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات، وهما يمثلان رجال الأعمال والتجار والمصنعين، وتم الاتفاق على قواعد حاكمة للأسعار الأساسية، فلماذا لا يكون هناك تطبيق صارم لهذه القواعد؟!

أعلم أنه لم يعد لدينا قانون للطوارئ، لكن أتمنى أن يتم تطبيق القانون العادي بأقصى شدة ممكنة. ولا تأخذنا رحمة أو شفقة بأي محتكر أو معدوم الضمير يبيع السلع الأساسية بأعلى من الطبيعي.

ظني أن التاجر اللص أو الغشاش أو المحتكر أخطر مليار مرة من أي إرهابي. على الأقل الإرهابي نعرف أنه عدو البلد، ونحذر المواطنين منه ومن فكره، ونكشف عن علاقته بكل أعداء الوطن، لكن المحتكر أو المضارب يعيش وسطنا ويتحدث عن الوطنية كثيرًا، ويهتف بأعلى صوته «تحيا مصر»، بل من الممكن أن يزايد في وطنيته على كثيرين. هذا هو النموذج الذي يخرب ويفسد ويعطل أي عملية تنمية أو بناء حقيقي للبلد.

الحكومة وقبل توحيد سعر الصرف قامت بمطاردة بعض كبار تجار العملة ما ساهم في حل جزء من المشكلة. وأظن أننا في حاجة ماسة جدًا اليوم إلى مطاردة وسجن كل مضاربي السلع الأخرى بالقانون، وأكرر بالقانون حتى لا يسيئ البعض فهم كلماتي، أو أنها دعوة للخلط بين التاجر الشريف الذي يرفع سعر سلعة، لأن مكوناتها وتكلفتها قد ارتفعتا، وبين المحتكر والمضارب ومعدوم الضمير الذي يتاجر في أزمات الناس.

ظني الشخصي لو أن مفتشي التموين ومسؤولي التنمية المحلية قاموا في كل محافظة بالقبض على أي صاحب مخبز أو «فرشة خبز» في الشارع يبيع بأكثر من السعر الذي تم الاتفاق عليه، ومحاسبته بالقانون، فسوف نجد الجميع وقد التزم في كل السلع والخدمات، وليس فقط في الخبز، ما دام أن الغرف التجارية واتحاد الصناعات قد اتفقوا مع الحكومة على الأسعار العادلة للسلع.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن