فقد اتضح أنّه من التحديات التي أثارت حفيظة الأميركيين تجاه استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي هو حماية الحقوق الفكرية، فالكثير من المؤلفين والفنانين وشركات الأخبار ترى أنّ شركات الذكاء الاصطناعي تنتهك حقوق الملكية الفكرية المحفوظة، لكن شركات التكنولوجيا قالت إنّها تستخدم تلك المواد في ظل احترام قانون الملكية الفكرية وأنّ برامجها تفيد الجمهور العام.
بدأ الجمهور الأميركي مؤخرًا يظهر انتقادات لمنتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي خاصة في ما يتعلّق بحماية حقوق الملكية الفكرية حيث إنّ 54% من الأمريكيين قالوا إنّ برامج الذكاء الاصطناعي التي تولد النصوص والصور مثل "شات جي بي تي" عليها ذكر المصادر التي أخذت منها الإجابات المولدة في حين أنّ 14% اعتبروا أنّها غير مضطرة إلى ذكر مصادر معلوماتها، ولكن 32% لم يحسموا في المسألة بعد.
تزايدت مخاوف الأمريكيين من استخدام الذكاء التوليدي في التأثير والتلاعب بالرأي العام
بخصوص موضوع نشر الأخبار، قال أغلب الأمريكيين (بين 60 و75%) أنّ برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "شات جي بي تي" عليها نقل الاخبار كما هي حرفيًا من مصادر الصحافة، وعليها أن تعطي الأخبار المتواترة من عدة وكالات أخبار. وفي توليد الصور عبّر الأميركيون أنّه يجب أن تُعرض الصور كما ينتجها الفنانون وأن تقلّد تلك البرامج أسلوب الكتّاب الحاليين وتقلّد الكتّاب الراحلين وأن تكتب السيناريوهات وِفق أسلوب الأفلام المشهورة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية القادمة في نهاية 2024، تزايدت مخاوف الأمريكيين من استخدام الذكاء التوليدي في التأثير والتلاعب بالرأي العام. وهنا ظهر الامريكيون أقلّ حماسة وأكثر حذرًا من التكنولوجيا التوليدية حسب نتائج مسح الرأي العام الأميركي الذي قامت به مؤسّسة "بيو" في 2024، حيث ظهر أنّ 4 من 10 أميركيين (38% منهم) لا يثقون في الأخبار والمعلومات السياسية حول الانتخابات التي يقدّمها "شات جي بي تي" البرنامج الأكثر استخدمًا في الولايات المتحدة في برامج الذكاء التوليدي، وهناك من ليس له أي ثقة (18%)، وهناك من له بعض الثقة (20%) في خدمة التطبيق الرقمي نفسه، وفي المقابل هنا 2% من الأمريكيين وحسب، ممن يثقون في المعلومات السياسية التي توفرها الخدمة التوليدية، و10% فقط من لديهم بعض الثقة فيها.
من الأمور المفاجئة لنا في العالم العربي أنّ المنتسبين والمتعاطفين مع الحزب الديمقراطي والجمهوري لديهم نسب الثقة الأضعف في التكنولوجيا التوليدية، حيث إنّ 2% من الديمقراطيين و1% من الجمهوريين مَن يعتمدون على هذه التكنولوجيا لمتابعة الأخبار، في حين يبقى أكثر من ثلث الأميركيين (34%) لم يسمعوا بوجود خدمة "شات جي بي تي" أصلًا.
هل يمكن القول إنّ الغربين هم محقّون في تخوفاتهم من الذكاء الاصطناعي وأنّ العرب يبالغون في حماستهم كعادتهم؟
شعوب آسيا من بعض العرب والعجم لديها الاتجاهات المتفائلة بمنافع الذكاء الاصطناعي أكثر من الشعوب الغربية
في الواقع، بعض العرب، هم مثل الصينيين والهنود شعوب بلدان آسيوية صاعدة متحمّسة للتطوير والنمو الاقتصادي المتنامي الذي قد يصل إلى رقمين أكثر من البلدان المتقدمة التي نسب النمو فيها أصبحت مستقرة لا يتجاوز النمو فيها 2 بالمئة. ولهذا فشعوب آسيا من بعض العرب والعجم (الهند والصين) نجد لديها الاتجاهات المتفائلة بمنافع الذكاء الاصطناعي أكثر من الشعوب الغربية.
كما تعكس الاتجاهات المتفائلة عند العرب السعوديين، والخليجيين عمومًا، الاتجاهات الحكومية العربية في تلك البلدان الخليجية نحو المزيد من دعم التكنولوجيا الصاعدة (الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من البلدان العربية المتقدّمة في هذا المجال)، وهي مهتمة أكثر بمنافع التكنولوجيا من أجل تطوير الخدمات التعليمية والصحية والمالية، بينما تميل الاتجاهات في الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) نتيجةً لتوجّه السياسات الحكومية في اتجاه الضبط التشريعي لاستخدام الذكاء الاصطناعي أكثر من اهتمامها بدعم التكنولوجيا الصاعدة.
هي فروق في السياسات التكنولوجية بين العرب والغرب خلقت تفاوتات في توجهات الجمهور تجاه التكنولوجيا الحالية ذات الشهرة الأكثر شعبية، سواء التوجهات المتحمسة للمنافع أو التوجهات المتخوفة من المساوئ، ولذلك قديمًا قيل إنّ "الناس على دين ملوكهم".
لقراءة الجزء الأول
(خاص "عروبة 22")