ما فعلته الإدارة الأمريكية بإيقاف شحنة أسلحة لإسرائيل خطوة جيدة ومهمة جدا، لكن علينا ألا نبالغ في التوقعات وأن نضع الأمور في نصابها وسياقها، حتى لا نصاب كعرب بخيبة أمل كبيرة كما يحدث دائما في الصراع العربي الإسرائيلي وفي العديد من القضايا الأخرى.
علينا مثلا أن نذكر أنفسنا ونذكر عموم الناس بأن ما قررته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هو مجرد تعليق شحنة قنابل واحدة فقط، وليس وقف تصدير الأسلحة عموما لإسرائيل.
وإلى أن يحدث تغير حقيقي ومستدام في الموقف الأمريكي. وليس مجرد قرار واحد مؤقت، ينبغي أن نتذكر أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية عضوية وحيوية ومتداخلة، وكأن إسرائيل مجرد ولاية أمريكية وليست دولة مستقلة.
مساء الأربعاء الماضي أعلن الرئيس الأمريكي وكذلك وزارة الدفاع تجميد إرسال شحنة قنابل لإسرائيل تتكون من نوعين من القنابل الأولى ١٨٠٠ قنبلة زنة الواحدة منها ألفا رطل أي ٩٠٧ كيلوجرامات، والثانية ١٧٠٠ قنبلة تزن الواحدة منها ٥٠٠ رطل أي حوالى ٢٢٦ كيلوجراما.
ومن المهم أن نتذكر أن البنتاجون قال بوضوح مساء الخميس إننا لم نتخذ قرارا نهائيا بشأن شحنة الأسلحة التي قمنا بتجميدها وإن التزامنا بأمن إسرائيل ثابت ولا يتزعزع بل إن بايدن طلب من كل الإدارات والمؤسسات الأمريكية أن تبذل ما في وسعها لضمان أن تهزم إسرائيل المقاومة الفلسطينية.
لكن المهم في قرار بايدن ليس حجم الصفقة، لأن أمريكا قدمت لواشنطن منذ ٧ أكتوبر أكثر من ٢١ ألف ذخيرة استخدمت نصفها في غزة، بل إنها أقامت جسورا جوية لنقل كل أنواع الأسلحة لإسرائيل، واستندت مرتين إلى قواعد الطوارئ لتجاوز موافقة الكونجرس لنقل الأسلحة إلى إسرائيل.
المهم في قرار بايدن أنه قاله علنا، أما الأخطر فهو قوله واعترافه بأن الأسلحة التي قدمتها أمريكا لإسرائيل تم استخدام بعضها في قتل مدنيين فلسطينيين.
وأظن أن هذا هو أخطر ما فعله بايدن حتى الآن ضد إسرائيل بعد أن انحاز بشكل فج وفاجر معها منذ ٧ أكتوبر.
جوهر كلام بايدن أن إسرائيل قتلت المدنيين بسلاح أمريكي، وأظن أن هذا الكلام قد يكون له تأثير مهم جدا حينما تتمكن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من محاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل على جرائمهم وكذلك كل من ساندهم.
خطورة تأثير كلام بايدن إذا استمر أنه قد يدفع بقية الدول لوقف تصدير أسلحتها لإسرائيل.
صحيح أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أعلن أن بلاده مستمرة في إرسال الأسلحة لإسرائيل، لأنه متفق عليها مسبقا وبكميات صغيرة.
لكن أهم ما قاله كاميرون: أن إجمالي صادراتنا من الأسلحة لإسرائيل لا يزيد عن أقل بكثير من ١٪ من إجمالي الأسلحة التي تصل إليها.. وهذا فارق كبير مع الأسلحة الأمريكية».
وأظن أن استمرار الموقف الأمريكي سوف يدفع الجميع إلى الاحتذاء به، كما ألمحت ألمانيا أحد أكبر المساندين لإسرائيل لكن السؤال، هل يستمر الموقف الأمريكي؟!
الإجابة هي أن الولايات المتحدة تؤكد ليل نهار أنها ملتزمة بتزويد تل أبيب ببقية أنواع الأسلحة، خصوصا الدفاع الجوي، وهي قدمت لها التمويل الطارئ بـ ٢٦ مليار دولار قبل أسابيع قليلة، واستخدمت الفيتو أكثر من مرة لمنع إدانتها ولمنع وقف إطلاق النار.
ورغم كل ما سبق فإن قرار تجميد صفقة الذخائر الأخيرة تغير مهم جدا إذا استمر وتطور، وإذا لم يكن هدفه مظهريا بمعنى امتصاص غضب الطلاب في الجامعات الأمريكية والعربية وامتصاص الغضب في الشوارع العربية والإسلامية. العبرة بالمضمون وليس فقط بالقرارات المؤقتة.
والأيام المقبلة هي التي سوف تثبت هل استيقظ جزء من ضمير الإدارة الأمريكية، أم أن الأمر مجرد تحسين للصورة المشوهة؟!.
("الشروق") المصرية