صحافة

تداعيات الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل

السيد أمين شلبي

المشاركة
تداعيات الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل

وسط المظاهرات وما أظهرته استطلاعات الرأي أن نسبة الأمريكيين الذين أدانوا العدوان الإسرائيلي على غزة والدعم الأمريكي لها قد تفوقت على نسبة المؤيدين لإسرائيل، والواقع أن هذا التطور النسبي في إتجاهات الرأي العام الأمريكي تجاه الدعم الأمريكي لإسرائيل، تذكرنا بمواقف سابقة في هذا الاتجاه من أبرزها الدراسة التي قام بها عالمان مرموقان للعلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وهارفارد عام 2008 John mearshier, Steven Walt تحت عنوان: اللوبي اليهودي والسياسة الخارجية الأمريكية.

تعتبر الدراسة انه على مدى العقود الماضية، خاصة بعد حرب 1967، شكلت العلاقة مع إسرائيل مركز السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وأدى التأييد الأمريكي الذي لا يهتز لإسرائيل إلى إشعال الرأي العام الإسلامي وعرضه للخطر ليس فقط الأمن الأمريكي ولكن أيضا بقية العالم ومثل هذا الوضع ليس له مثيل في التاريخ الامريكي.

وتتساءل الدراسة عن السبب الذى جعل الولايات المتحدة تنحي أمنها وأمن الكثير من حلفائها من أجل تقدم مصالح دولة أخرى. وتجيب بأن الرابطة بين البلدين قد تكون مؤسسة على مصالح استراتيجية مشتركة أو ضرورات أخلاقية ملزمة. ولكن كلا الافتراضين لا يفسران المستوى الفائق للتأييد المادي والدبلوماسي الذي تقدمه الولايات المتحدة. وعلى الرغم من إقرار الدراسة بتأثر السياسة الأمريكية بجماعات الضغط الأخرى إلا أن أيا من هذه الجماعات أو اللوبيات بخلاف اللوبي الصهيوني، قد تمكن من تحويل هذه السياسة بعيداً عما تفترضه المصالح القومية الأمريكية، وإقناع الامريكيين في الوقت نفسه ان مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل تتوافقان بشكل جوهري.

وتعدد الدراسة مستوى التأييد المادي الذي قدمته الولايات المتحدة منذ حرب 1973 لإسرائيل والذي بلغ 140 مليار دولار بما يمثل 1/5 ميزانية المساعدات الخارجية الأمريكية، هذا على الرغم من أن إسرائيل دولة صناعية غنية بمعدل دخل فردي يوازي كوريا الجنوبية أو اسبانيا. وتقدم أمريكا لإسرائيل معلومات مخابراتية تخفيها عن حلفائها في الناتو وتغمض عينيها عن حصول إسرائيل على أسلحة نووية وعن الدعم السياسي والدبلوماسي، وتوضح الدراسة انه منذ عام 1982 استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو 32 مرة ضد قرارات تنتقد إسرائيل كما عرقلت جهود الدول العربية لوضع الترسانة النووية الإسرائيلية على جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وتستخلص الدراسة من استعراض هذا الدعم أن مثل هذا السخاء قد يكون مفهوماً اذا ما كانت إسرائيل تمثل رصيداً استراتيجيا حيويا للولايات المتحدة، أو ان هناك شيئا اخلاقياً ملزماً للدعم الأمريكي إلا انه في الدراسة ان أيا من التفسيرات غير مقنع. وقد يجادل البعض بأن إسرائيل كانت رصيداً خلال الحرب الباردة، ولكن تأييد إسرائيل لم يكن مجانا فقد عقد علاقات أمريكا بالعالم العربي، فدعم الولايات المتحدة لإسرائيل خلال حرب اكتوبر بتقديم 2٫2 مليار دولار في صورة إعانة عسكرية طارئة، قد أشعل الحظر البترولي الذي ألحق خسائر بالغة بالاقتصاديات الغربية، كما كشفت حرب الخليج الأولى المدى الذي اصبحت فيه إسرائيل عبئا استراتيجياً على أمريكا. واذا كانت أحداث 11 سبتمبر قد استخدمت لإحداث توافق بين الولايات المتحدة وإسرائيل في محاربة الإرهاب، وأطلقت أمريكا يد إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين، ولكن الحقيقة ان إسرائيل اصبحت عبئا في الحرب على الارهاب وعلى الجهد الأوسع في التعامل معه، فالولايات المتحدة في جزء كبير لديها مشكلة في التعامل مع الارهاب بسبب تحالفها الوثيق مع إسرائيل وليس العكس بشكل يجعل محاربة الارهاب اكثر صعوبة.

وتضيف الدراسة إلى هذه الاعتبارات التي لا تجعل إسرائيل ذات قيمة استراتيجية حيوية ان إسرائيل لا تتصرف دائما كحليف فدائما ما يتجاهل الرسميون الإسرائيليون الطلبات الأمريكية وتتراجع عن وعودها بما فيها الكف عن بناء المستوطنات واغتيال القادة الفلسطينيين. ووفقا لما كشفت عنه وكالات امريكية فان إسرائيل تدير اكثر عمليات التجسس عدوانية ضد الولايات المتحدة، كما تقدم إسرائيل تكنولوجيا عسكرية حساسة لمنافسين محتملين مثل الصين.

على الرغم من تحذيرات هذه الدراسة من خضوع السياسة الخارجية الأمريكية لنفوذ اللوبي اليهودي، حتى الانتفاضات الشعبية لإدانة سياسة الإدارة الأمريكية لتأييدها المطلق لإسرائيل تجاهلت الإدارة الأمريكية هذه التحذيرات وبلغ التأييد الأمريكي ذروته في حرب إسرائيل على الشعب الأعزل في غزة، جنبا إلى جنب التأييد المطلق من الكونجرس الأمريكي الذي يفترض أنه يمثل الشعب الأمريكي الأمر الذي يفسر عمق ونفاذ اللوبي اليهودي في المؤسسات الأمريكية وهجومه الشرس ضد كل من يعارض السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل كما حدث في الاضطهاد الذي تعرض له الأستاذان ميرشيمار وستيفن والت في الأصوات الأمريكية التي ارتفعت خلال حرب غزة والذي يكرر ما نبهت اليه دراسة الأستاذين عن: تأثير التأييد الأمريكي لإسرائيل على المصالح الأمريكية وتجاهل إسرائيل للمطالب الأمريكية بل تحديها بهذا المطالب، وإقامة علاقات متطورة مع قوى مناوئة للولايات المتحدة.

يذكّر الحديث عن نفوذ اللوبي اليهودي بالمحاولات التي تجرى منذ عقود لتكوين لوبي عربي فعال ومؤثر إلا أن هذه المحاولات لم يتحقق مرادها حتى الآن بسبب غياب التوافق العربي، فلعل ما أظهرته الحرب على غزّة يعيد تأكيد أهمية تكوين اللوبي العربي.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن