قضايا العرب

لعنة المبعوثين الأمميّين تصيب ليبيا: أمريكا وسياسة الفشل "الخلّاقة"!

مع تراجع فرص حل الأزمة الليبية، وتبخر حلم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ نهاية عام 2021، تكرر الولايات المتحدة دبلوماسيتها العبثية، عبر إعادة إدارة الأزمة الراهنة، تقريبًا بالنمط نفسه، الذي أدخل البلاد في دوامة، بسبب عدم وجود حكومة موحّدة تحظى بالإجماع، لإنهاء الصراع السياسي والعسكري، بعد نحو 13 عامًا من الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.

لعنة المبعوثين الأمميّين تصيب ليبيا: أمريكا وسياسة الفشل

على مدى هذه السنوات، استهلكت ليبيا 13 حكومة و9 مبعوثين أمميين، أخفقوا في حل الأزمة، في دليل على تخبّط الأمم المتحدة وعشوائيتها في معالجة الأزمة.

وفي مصادرة جديدة/قديمة لبعثة الأمم المتحدة، انحازت إدارة بايدن للسيناريو الأمريكي الكلاسيكي نفسه الذي أدخلته إلى الساحة الليبية وجرّبه الليبيون بمرارة، بتعيين دبلوماسية أمريكية نائبة لرئيس البعثة الأممية الذي استقال لتخلفه نائبته في مكانه.

حدثت القصة بحذافيرها، لدى تعيين الأمريكية ستيفاني ويليامز، قبل استقالة غسان سلامة كثاني مبعوث عربي ولبناني يتولى رئاسة البعثة الأممية من عام 2021 إلى عام 2022. في كل الأحوال، فقد نجا عبد الله باتيلي (77 عامًا)، وزير الدولة الأسبق في الرئاسة السنغالية المكلف بالشؤون الأفريقية (2012-2013) من المنصب الأسوأ في العالم، وقدّم استقالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي قبلها على مضض.

باتيلي، الذي خلص قبل استقالته إلى أنه يشغل "أسوأ وظيفة في العالم"، اتهم غالبية المسؤولين الليبيين بعدم الرغبة في إتمام الاستحقاق الانتخابي واستعادة الاستقرار، والاهتمام في المقابل بتحقيق مكاسب من عائدات النفط وإبقاء الحال على ما هو عليه.

وقبل استقالته، حذر باتيلي الجهات السياسية المتناحرة في البلاد، من أن يؤدي غياب حكومة موحّدة وإجراء الانتخابات إلى انزلاق الدولة الواقعة في شمال أفريقيا الغنية بالنفط إلى "التفكك".

نصائح باتيلي لجميع الزعماء السياسيين على تنحية "مصالحهم الشخصية" جانبًا والاجتماع معًا للتفاوض والتوصل إلى حل وسط "لاستعادة كرامة وطنهم الأم"، ذهبت سدى. ومع ذلك، لا خوف على مستقبل بتيلي على الإطلاق، فقد سبق أن حصل برناردينو ليون الرئيس السابق للبعثة على وظيفة براتب 35 ألف جنيه إسترليني شهريًا من الإمارات كمدير عام لـ"الأكاديمية الدبلوماسية" لديها.

تعبيرات فضفاضة

واكتفى بيان صحفي لمجلس الأمن بتوجيه الشكر إلى باتيلي على جهوده، ودعا إلى تعيين خلف له في أقرب وقت ممكن. وتكررت في البيان، جمل لم يتم ترجمتها على الأرض، مثل التزام أعضاء مجلس الأمن مجددًا بعملية سياسية شاملة، يقودها ويملكها الليبيون وتيسّرها الأمم المتحدة، وضرورة مشاركة المؤسسات الليبية المعنية بشكل كامل وبحسن نية ودون شروط مسبقة، وتقديم التنازلات اللازمة لإحراز تقدّم في العملية السياسية.

وابتعد المجلس كالمعتاد عن تناول القضايا الشائكة في المسألة الليبية، حيث اكتفى بتجديد الدعوة لانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا دون تأخير، بما يتماشى مع أحكام اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 23 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020.

وبينما يردد مجلس الأمن والأمم المتحدة هذه التعبيرات الفضافضة، تبقى ليبيا معمل اختبار حقيقي لهيمنة الأجانب على شؤونها، وتداخل العامل الخارجي بالداخلي في وضع متشابك ومعقّد للغاية في ظل جيش كبير ومختلط من الميليشيات المسلحة والمرتزقة الأجانب.

الغالب أنّ، ستيفاني خوري القائم بأعمال رئيس البعثة الأممية، ستتولى المنصب على أساس مؤقت ولفترة غير محدودة على ما يبدو، علمًا بأنّ السنوات الماضية شهدت كيف تحوّل اختيار رئيس البعثة الأممية في ليبيا إلى مشكلة حقيقية، بسبب الخلافات الروسية - الأمريكية.

تخطيط أمريكى مدبّر

لكن بغض النظر عمن سيحل محل باتيلي، فإنّ المبعوث الخاص القادم لن يكون قادرًا على حل المأزق السياسي الذي طال أمده في ليبيا.

واستبقت الإدارة الأمريكية استقالة باتيلي من منصبه، بعد نحو 18 شهرًا من سلسلة الاجتماعات التي تحتمل الكثير من الهراء بدون جدوى، بالإعلان في الأول من شهر مارس/آذار الماضي عن تعيين الأمين العام للأمم المتحدة، الأمريكية ستيفاني خوري نائبة لرئيس البعثة الأممية للشؤون السياسية خلفًا لريزيدون زينينغا من زيمبابوي.

فليس سرًا أن لدى إدارة بايدن بالفعل خطة لاستعادة الوجود الدبلوماسي الأمريكي في ليبيا، في عملية تستغرق عامين لإنشاء "منشأة دبلوماسية مؤقتة" بكلفة 57.2 مليون دولار في منتجع "بالم سيتي" الفاخر المسوّر في حي جنزور بالضواحي الغربية لطرابلس.

ولا توجد للولايات المتحدة سفارة في ليبيا منذ انسحاب أفرادها تحت حراسة عسكرية مكثفة في عام 2014، حين أخلت واشنطن سفارتها هناك ونقلت العاملين بها عبر الحدود إلى مالطا ثم إلى تونس.

فوضى ما بعد القذافي

سقطت ليبيا في حالة من الفوضى بعد الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلنطي "ناتو"  التي أطاحت بالقذافي وقتلته في عام 2011، مع وجود ما يقدّر بنحو 1600 ميليشيا مسلّحة تعمل في بلد يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة.

وفقًا لوجهة نظر تركية، فإنّ الولايات المتحدة الحريصة على إبقاء ليبيا تحت سيطرتها، هي العائق عبر اتباعها فلسفة المحافظين الجدد التي جسّدتها مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج  بوش بأنّ "للولايات المتحدة مصالح يجب على الجميع قبولها، وإلا فإنها ستجبرهم على ذلك".

من هذه الزاوية، لا تريد الولايات المتحدة التخلي عن الدولة الأكثر غنى بالنفط في أفريقيا وترك المجال للقوى الأوروبية والدولية والإقليمية لتعزيز مصالحها الخاصة في ليبيا، بما يشمل روسيا التي تسعي إلى الوصول لموارد الطاقة والموانئ الهائلة في البلاد.

ولا تحمل النخب المدنية وشبه العسكرية في ليبيا، رأي الشعب الليبي نفسه، بشأن أنّ إعادة توحيد البلاد ستساعد في التخفيف من مشاكله الرئيسية، بينما يشكك صمت المجتمع الدولي عن زواج "الميلشيات والدولة" في المبادئ الأخلاقية لنهج المجتمع الدولي تجاه ليبيا.

صحيح أنّ الأمر مرتبط ربما بما يمكن اعتباره لعنة المبعوثين الأممين الذين توالوا على ليبيا، بدون مساعدتها على تجاوز محنتها الراهنة التي طالت أكثر مما ينبغي، لكن الصحيح أيضًا أنّ "البعثة الأممية لم تدخل بلدًا عربيًا، إلا وقد أفسدته"، ناهيك عن أنها لم تحقق أي نجاح يُذكر في مهامها المعلنة.

وعرفت المنطقة العربية منذ عام 1948 الكثير من المبعوثين الأمميين الذين غطوا أزمات لا تزال قائمة حتى الآن، لكن في ليبيا وفى هذه اللحظة تحديدًا، وبنكهة أمريكية خالصة، تعيد إدارة بايدن مجددًا اختراع العجلة على أمل تدوير الأزمة "لا حل الأزمة"!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن