ولم تكن المفاجأة في أنّ القمّة لم تتابع دعوة قمّة الظهران جميع الدول لوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، مع أنّ بعضها اتخذ إجراءات فعلية في هذا الصدد، ولم تُشر بحرف إلى نتائج عمل وحدتَي الرصد القانوني والإعلامي اللتين نصّت عليهما قرارات قمّة الظهران، وكذلك لم تكن المفاجأة في أنّ القمّة لم تُضَمن إعلانها الختامي شيئًا عما جرى في محكمة العدل الدولية، أو تبدي نوعًا من المساندة للمحكمة الجنائية الدولية التي تواجه ضغوطًا غير مسبوقة لإجهاض ما تردد عن نيّتها في إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه ورئيس أركانه، مع أنّ قمّة الظهران دعت المحكمة الجنائية الدولية إلى إجراء تحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لكنّ المفاجأة الكبرى تمثّلت في الهجوم الذي شنّه الرئيس الفلسطيني على "حماس" متهمًا إياها بأنها قامت بعملية ٧ أكتوبر بقرار منفرد، وأنّ هذه العملية قد وفرت المزيد من الذرائع والمبررات لإسرائيل لتهاجم قطاع غزّة، وتمعن فيه قتلًا وتدميرًا، ولي على هذه المفاجأة ملاحظتان أساسيتان.
هناك نهجان مختلفان بين الفصائل الفلسطينية وما يعطي جدارة لنهج المقاومة أنّ نهج التسوية قد أفلس تمامًا
الملاحظة الأولى أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تُوَجَّه فيها علنًا انتقادات لعملية مقاومة، فقد سبق أن وجهت جهات عربية وازنة انتقادات شبيهة لعملية "حزب الله" التي أفضت لعدوان إسرائيل على لبنان في ٢٠٠٦، واللافت أنّ التهمة نفسها تكررت، وهي أنّ العملية تمت "بقرار منفرد"، والواقع أنّ متابعتي التي أزعم أنها جيدة لحركات التحرر الوطني لم تكشف لي أبدًا عن عمليات مقاومة تُتَّخذ بقرارات جماعية، وإنما تقوم بها الجهة التي تتصدى للعمل المقاوم، لأنّ التشاور الجماعي يهدر عنصر المفاجأة للعدو بطبيعة الحال، ثم يبرز السؤال عن جدوى التشاور مع فرقاء مختلفين في نهج العمل من أجل التحرير!.
فقد اعتمدت "فتح" نهج التسوية السلمية منذ اتفاقية أوسلو التي مر عليها الآن أكثر من٣٠ سنة دون أن تحقق شيئًا، علمًا بأنها كانت قد حددت ٥ سنوات كمرحلة انتقالية يتم خلالها التوصل إلى حلول أو تسويات لقضايا الوضع النهائي، وها نحن الآن نرى التنكر الإسرائيلي التام لكل أهداف النضال الفلسطيني حتى بمقاييس أوسلو، وها هي إسرائيل تعربد في الضفة حيث لم تكن هناك "٧ أكتوبر" في ظل وجود السلطة الفلسطينية، فلنعترف أنّ هناك نهجين مختلفين بين الفصائل الفلسطينية، وأنّ ما يعطي جدارة لنهج المقاومة أنّ نهج التسوية قد أفلس تمامًا، أما القول بأنّ عملية ٧ أكتوبر/تشرين الأول الماضي قد أعطت ذريعة لإسرائيل لتقتل وتدمّر فأعتقد أنّ إسرائيل منذ ٧٦ سنة، منذ نشأتها، قد أمعنت في القتل والتدمير قبل ظهور "حماس" وبعدها، ولديَ عدد هائل من شرائط الڤيديو التي تؤكد هذه الحقيقة، اللهم إلا إذا كان المطلوب من الشعب الفلسطيني هو الصمت المطبق على امتهان كرامته واغتصاب حقوقه بما في ذلك الحق في الحياة.
أخشى ما أخشاه أن يبدّد الانقسام الفلسطينيي الإنجاز الذي تحقق حتى الآن بأداء المقاومة وصمودها
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بتوقيت انتقاد المقاومة، فهو يأتي في وقت تخوض فيه مواجهات ضارية مع المحتل، وهي بالتأكيد بحاجة إلى دعم معنوي صحيح أنها تجده من غالبية الشعب الفلسطيني، لكنه كان من المناسب ألا يتم توجيه هذا النقد علنًا بما يعطي ذريعة لكل المتربصين بالقضية الفلسطينية لمحاولة الإجهاز عليها، وقد سبق للسلطة الفلسطينية توجيه انتقادات للمقاومة في غزّة - لأنّ حماس لا تقاتل وحدها هناك - طالبتها فيها بالإسراع في قبول ما هو معروض عليها من عروض للتوصل إلى هدنة، وكان من شأن ذلك إضعاف موقفها التفاوضي الذي تمكنت بصمودها وأدائها من تحسينه حتى وجدت أنه من المناسب قبول العرض الذي قدّمه الوسيط المصري، وكان من الممكن في الحالتين توجيه الانتقادات والتشاور سرًا لإقناع المقاومة بوجهة نظر السلطة، وعمومًا فإنّ هذه "المفاجأة" تسلّط الضوء أكثر وأكثر على خطورة استمرار الانقسام الفلسطيني وتفاقمه، وأخشى ما أخشاه أن يبدّد هذا الانقسام الإنجاز الذي تحقق حتى الآن بأداء المقاومة وصمودها.
(خاص "عروبة 22")