لو أنفق أغنياء العرب، ما في الأرض جميعا، من أموال مدخرة في البنوك العالمية، من أجل تحسيس العالم بأهمية القضية الفلسطينية، وخطورة الظاهرة الصهيونية، ما بلغوا معشار ما هو واقع اليوم من حراك طلابي وإعلامي. ولو حشد قادة الأمة العربية وأعيانها ما لديهم من وسائل إعلام واستعلام، الظاهرة منها والخفية، من أجل تعبئة الرأي العام لصالح معركة غزة العزة، ما حققوا، أقل القليل مما هو سائد.
ولكن المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسّام، وصمود وثبات فئات الشعب الفلسطيني، شيبا، وشبابا، وشيوخا، وكهولا، وأطفالا، استطاعت هذه الفئات الشعبية بخيامها البالية، المهترئة، والتي هي كثوب ضم سبعين رقعة، أن توقظ ضمائر الشباب الجامعي، وتجعله ينصّب خياما مزدانة بالعلم الفلسطيني، وتفرض وجودها على ساحات أكبر الجامعات في الشرق والغرب على حد سواء.
إنه طوفان الحراك الجامعي العالمي، الذي فرض فيه الشباب الجامعي وجوده بشعاراته وعباراته، واعتصاماته. لقد تمايل الشباب في هذا الحراك، ورقص على وقع الأهازيج الفلسطينية، وترديد “أنا دمّي فلسطيني”.
نجح طوفان الحراك الجامعي العالمي في تجفيف منابع الصهيونية على مستوى الجامعات، وتجميد قنوات التمويل التي تسهم في تسليح حرب الإبادة ضد الغزاويين العزل.
كما نجح الطوفان الجامعي في قلب الموازين، لدى الرأي العام الغربي –على الخصوص- والذي كان مخدرا بالأفيون الصهيوني، فشاهدنا أساتذة وطلابا يتدثرون بالعَلَم الفلسطيني، ويتلحّفون بالكوفية الفلسطينية.
لقد جاء هذا الطوفان الجامعي العالمي، ليُعلي من قيمة العِلْم الملتزم بالقيم الإنسانية، ويحرر الجامعة من قبضة الإيديولوجيا العنصرية الهدامة، التي لا تنظر إلى العالم وإلى القضايا العادلة، إلا بعين واحدة هي العين الصهيونية.
أدرك العالم الواعي، وفي مقدمته الشباب الجامعي، أن محاولة مسح مدينة بكاملها من الخريطة، وتهجير شعب أعزل من أرضه هي لعنة تلاحق الضمير الإنساني، سواء المتصهين منه، أو المتحالف معه المساند له، أو المطبّع الساكت على جريمته ووحشيته.
لذلك بات من المستعجل البدء بتصحيح بعض المفاهيم المظلومة التي تسوّق لها الصهيونية، وتجد من يروّج لها مثل:
وصف الإبادة الصهيونية للفلسطينيين بأنها ردّ فعل ضد الفعل الفلسطيني في السابع من أكتوبر، وهذا جرم فادح في حق العدل والقيم الإنسانية.
إن هبّة طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر، هو الذي يمثّل ردا للفعل الصهيوني المجسّد في الاعتداءات على غزة، والقدس، وعلى كل فلسطين، وما صاحب ذلك من مآسي صبرا وشاتيلا، وباقي الجرائم، منذ نكبة الاحتلال.
إن التركيز على قتل الأطفال والنساء، هو انتقامٌ من أطفال الحجارة، أو الأطفال الأبابيل والاستشهاديات، الذين كانوا يقاومون العدوان بأبسط وأغلى ما يملكون من حجارة وطنهم، وعزّة نفوسهم. إنهم هم الذين يطلقون الصواريخ –اليوم- على منابع العدوان، حماية لشعبهم.
إن ما يحدث في غزة اليوم من تدمير وتهجير، ومن تجويع وترويع، هو تنفيذ لمخطط دولي بعيد المدى، وليس وليد اليوم، وذلك تقاسما للنقود في عالمنا الإسلامي.
سقوط أقنعة الدول الغربية، واتضاح مبدأ الكيل بمكيالين، كما هو الحال في الموقف من غزة، ومن أوكرانيا.
حرب التطهير العرقي التي يشنها الصهاينة، والانتقائية التي تهدف أيضا إلى اغتيال الإعلاميين، ومحاولة إسكات كل صوت حر، وملاحقة أسر السياسيين والمقاومين عبر العالم.
فما هو واجبنا –والحالة هذه- نحن كشعوب، توّاقة إلى الحرية، والعدل، والقيم الإنسانية، تعزيزا لسير الطوفان الجامعي العالمي الهادر؟
لعل من أوجب الواجبات، حماية شلال طوفان الحراك الجامعي العالمي، وذلك بتفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية للبضائع الصهيونية، ومن يتحالف معهم من المتصهينين.
كما أن من متطلبات الوعي بنصرة القضية الفلسطينية، دعم عملية تجفيف المنابع التي جسَّدها طلاب الجامعات، وذلك بسحب الأموال المودعة في بنوك الدول الداعمة للصهاينة.
إن مما يبعث على الاطمئنان، والارتياح، أن الجهود الفعالة قد آتت أكلها، وما تبعث به جبهة المقاومة من رسائل عملية في ساحة المعركة، وما يعانيه المعتدون، بعدما يقارب من ثمانية شهور، لهو خير دليل على أن ﴿اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وأن الجبهة الداخلية للعدو الصهيوني قد نكست راياتها، وتذبذبت غاياتها، وزلزلت معسكراتها.
("الشروق") الجزائرية