وعلى نقيض التهديدات المستمرة التي تصدر عن مسؤولين إسرائيليين عسكريين وسياسيين بقرب الذهاب نحو عملية عسكرية موسّعة ضد لبنان، يتحدث المسؤولون الأميركيون عن حتمية انعكاس وقف النار في غزّة على ترتيب الأوضاع الحدودية بين شمال إسرائيل وجنوب لبنان، خصوصًا في ظل المعلومات التي تشير إلى أنّ المفاوضات المتعلقة بالمرحلة التي ستلي وقف العدوان على القطاع والتي يقودها المستشار الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين "قطعت شوطًا كبيرًا" في شقها اللبناني. إلا أنّ ما يحصل، في المرحلة الراهنة، من تصعيد، دفع بالكثيرين إلى طرح علامات إستفهام حول حقيقة النوايا الإسرائيلية تجاه لبنان؟!.
فرغم التضارب في المعلومات حول حقيقة وصول تحذيرات غربية إلى بعض المسؤولين اللبنانيين (والتي عاد فنفاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي) عن قرب شن إسرائيل عدوانًا شاملًا على لبنان، إلا أنّ هذا لا يلغي، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"عروبة 22"، المخاوف من جدّية هذا السيناريو، نظرًا إلى أنّ تل أبيب لا يمكن أن تقبل بإستمرار الوضع على ما هو عليه عند الحدود مع لبنان، وهي بحاجة إلى معالجة أزمة النازحين من سكان المستوطنات الشمالية، قبل نهاية فصل الصيف الحالي.
وإذ ترى أنّ "الهواجس الحقيقية الراهنة تكمن في إحتمال عدم الوصول إلى إتفاق في غزّة، ما سيعني حتمًا المزيد من التصعيد على مختلف جبهات المنطقة، ضمن مسار من شأنه أن يُخرج الأمور على الجبهة الجنوبية عن السيطرة"، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ هذا السيناريو يعززه تعنّت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو واليمين المتطرّف المتحالف معه، ما قد يدفعه إلى "الهروب إلى الأمام، لا سيما إذا ما تحوّلت رهاناته صوب اعتماد سياسة التصعيد الذي يقود إلى خلط الأوراق، بإنتظار عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض".
في هذا الإطار، ورغم تحذير وزارة الخارجية الأميركية من أنّ التصعيد عند الحدود مع لبنان من شأنه أن يلحق "ضررًا هائلًا بأمن إسرائيل والاستقرار في المنطقة"، وإبداء الإتحاد الأوروبي قلقه المتزايد إزاء تصاعد التوتر على جانبي الحدود، كان العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين على الجانب الإسرائيلي قد زاروا المناطق الحدودية على هذه الجبهة، مطلقين مجموعة من التهديدات، أبرزها كان على لسان نتنياهو نفسه الذي قال: "جاهزون لعملية عسكرية ضخمة جدًا في الشمال. ومن يعتقد أنه سيستهدفنا ونحن سنجلس مكتوفي الأيدي فإنه يرتكب خطأً كبيرًا. وبطريقة مثل هذه أو أخرى سنعيد الأمن إلى الشمال". في حين كان المجلس الوزاري، الذي يدير الحرب، قد أجرى مداولات معمقة بشأن التصعيد مع "حزب الله"، ودعا وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير إلى "حرق لبنان كله"، ردًا على اندلاع الحرائق في مستوطنات الشمال بسبب صواريخ "حزب الله".
في المقابل، تكشف مصادر لبنانية مطلعة، عبر "عروبة 22"، أنّ "التقديرات التي لدى غالبية المعنيين لا تزال تضع التهديدات الإسرائيلية في خانة التهويل لتحسين شروط التفاوض، خصوصًا أنّ تل أبيب تدرك جيدًا تكلفة إشعال حرب موسّعة مع لبنان على جبهتها الداخلية المتضعضعة أساسًا جراء الإخفاقات العسكرية في تحقيق أي من أهداف حرب عزّة".
وبالنسبة للمصادر نفسها، ما ينبغي التوقف عنده أيضًا هو أنه "على المستوى الخارجي ليس هناك من غطاء دولي، تحديدًامن جانب الولايات المتحدة، لشن عملية إسرائيلية واسعة على لبنان، بخلاف الوضع على جبهة غزّة التي تحظى بغطاء أميركي شامل، عسكريًا وماليًا ولوجستيًا وتقنيًا واستخباراتيًا، منذ الأيام الأولى التي تلت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي. وبالتالي فمن المرجح إستمرار عمليات التصعيد على الجبهة الجنوبية تحت سقف "مضبوط الإيقاع" أميركيًا بانتظار التوصل إلى اتفاق "وقف النار" في غزّة وما سيليه من توافقات بشأن الحدود اللبنانية.
وإذ لا تقلّل هذه التقديرات من احتمال إقدام تل أبيب على أي خطوة عسكرية تصعيدية مباغتة تجاه لبنان، يضع من خلالها نتنياهو واشنطن أمام أمر واقع يجبرها على الانقياد وراءه باعتبار أنّ الولايات المتحدة لن تتخلى تحت أي ظرف عن دعم ومساندة الدولة العبرية، تخلص المصادر إلى أنّ "مصير رئيس الوزراء الإسرائيلي داخليًا هو الذي يحكم ويتحكّم بمسار الأمور على جبهتي غزّة والجنوب اللبناني"، معتبرةً أنّ "الأمل الوحيد، بالنسبة إلى لبنان، هو الوصول إلى تسوية سريعة في القطاع، تكون مقدّمة نحو تسوية أخرى مع "حزب الله".. وإلا فإنّ الفترة المقبلة ستكون محفوفة بمخاطر لا يعلم أحد مدى تداعياتها التي قد تبدأ من لبنان لتبلغ المنطقة برمّتها".
(خاص "عروبة 22")