ثمة تفسيرات عدة ومتباينة لهذا اللغز الذي يحيط بملف العلاقات المصرية-الإيرانية، من جوانبه كافة. ولكن قبل عرض هذه التفسيرات، لابد من التنويه بالوجاهة النسبية لوجهة النظر القائلة بأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران بات قريباً، وأن ملف المصالحة المصرية-الإيرانية يسلك سبيل المصالحة المصرية-التركية نفسه.
وإذا عدنا إلى تفسير الألغاز في العلاقات المصرية-الإيرانية، نجد أن أول هذه التفسيرات يذهب إلى أن مصر تريد معاينة تغيّر في السلوك الإقليمي الإيراني المثير للاضطراب، و«المزعزع للاستقرار» في المنطقة، قبل المضي قدماً في إعادة تطبيع علاقاتها مع إيران. وبصفة خاصة، تتطلع مصر إلى رؤية تغيّر في سلوك إيران تجاه قطاع غزة، وتحالفها بحكم الأمر الواقع مع حركتي الجهاد وحماس، وما يفضي إليه ذلك من تغذية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتعطيل أية تسوية سلمية له تتبناها مصر؛ لتأمين حدودها الشرقية، وتأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، من دون الحديث عن السياسة الإيرانية «المهددة لاستقرار» لبنان، بل واستمراره كدولة؛ بحكم رعايتها لـ«حزب الله»، والسياسة الإيرانية المتدخلة في الشؤون الداخلية العراقية عبر تحالفاتها بالأحزاب والميليشيات هناك.
غير أن أكثر ما تعتبره القاهرة تهديداً لأمنها القومي، بعد التهديد الماثل على حدودها الشرقية، هو ما يمثله الدعم السياسي والعسكري الإيراني لجماعة الحوثي في اليمن، من تهديد لأمن البحر الأحمر، وللملاحة البحرية في قناة السويس. ولذلك نفهم المشاركة المصرية في الجهود الدولية لتأمين الطرق البحرية، من وإلى البحر الأحمر، عبر مضيق باب المندب.
علاوة على ذلك، يُعد التطور الذي حققه البرنامج النووي الإيراني، وما أذاعته تقارير دولية ذات مصداقية كبيرة من أن طهران على وشك تجاوز العتبة النووية، مصدر تهديد جدي تريد القاهرة أن ترى معالجة له، سواء عن طريق مزيد من المكاشفة الإيرانية لحدود تطوير قدراتها النووية، أو عن طريق استئناف المفاوضات النووية في فيينا المتوقفة منذ سبتمبر/ أيلول الماضي. ولذلك، لم يكن غريباً أن تثني مصر على مساعي عُمان الحميدة في هذا الخصوص أثناء زيارة السلطان هيثم بن طارق القاهرة في 21 من الشهر المنصرم.
وثمة من يدفع بأن العامل الأمريكي وراء الغموض الذي يحيط بملف العلاقات المصرية-الإيرانية. ويذهب هذا الرأي إلى أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطها على الحكومة المصرية، فما أن تقدم الأخيرة على اتخاذ خطوة أو خطوات نحو تطبيع علاقاتها مع إيران حتى تحجم. أو تتراجع. وتتابع القاهرة، وفقاً لآخرين، سياسة «ننتظر ونرى»، في ما يتصل بالتقارب الإيراني تجاه دول الخليج العربية، وبعدها تتخذ قرارها في مسألة تطبيع العلاقات مع طهران.
وهناك من يلفت النظر إلى أن قضية تطبيع العلاقات مع إيران ليست من ضمن أولويات السياسة الخارجية للحكومة المصرية؛ لأنها جدّ منشغلة بمشكلتها الاقتصادية الصعبة، وبملفات خارجية حيوية، على رأسها مشكلة سد النهضة مع إثيوبيا التي دخلت في مرحلة حاسمة مع بداية الملء الرابع للسد، واحتمال بدء مفاوضات ثلاثية مصرية-سودانية-إثيوبية، للتوصل إلى اتفاق نهائي لملء وتشغيل سد النهضة خلال 4 أشهر.
والأهم من ذلك، أن ثمة تنافساً على القيادة الإقليمية بين مصر وإيران، وأن الأولى منزعجة من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وترى أن عودة علاقاتها الكاملة مع طهران قد تعني تطبيعاً للدور الإقليمي الإيراني.
والخلاصة، أن لغز العلاقات بين مصر وإيران يمكن تصويره بالتلهف الإيراني لإعادة تطبيعها، يقابله تأنٍ مصري، وفقًا للبعض، أو تردد مصري، وفقاً للبعض الآخر. وقد قطع الطرفان مسافات كبيرة على طريق المصالحة من دون وضوح كم تبقّى على نهايتها. وثمة تكهنات متباينة حول الاتجاه المستقبلي لهذه العلاقات، التي ما فتئ المحللون يقلّبون الفكر والرأي فيها منذ منتصف العقد الأول من هذا القرن، على الأقل.
(الخليج)