في حالة حرب الإبادة التي يشنّها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزّة، "الفيل في الغرفة" هو مستقبل حركة "حماس" واستمرارها في إدارة قطاع غزّة، وهي القضية التي تعطّل عمليًا الإعلان عن التوصّل لصفقة لوقف العدوان المتواصل منذ أكثر من ثمانية شهور.
وحتى الراعي الرسمي للدولة اليهودية، الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما تقدّم بخطته التي قال إنها "إسرائيلية" في نهاية شهر مايو/أيار، فإنه تجنّب هذه القضية الشائكة الخاصة باستمرار حركة "حماس" في إدارة القطاع. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تصريحات أدلى بها في جولته الأخيرة في المنطقة إنّ إدارته ستقدّم في الأيام المقبلة تصورًا لكيفية إدارة غزّة "بدون حركة حماس" بعد انتهاء الحرب بالتشاور مع حلفائها العرب المعتدلين في المنطقة، مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات.
الرهائن ورقة الضغط الرئيسية في يد "حماس" ومن السذاجة الإفراج عنهم ثم انتظار ما ستقوم به إسرائيل
وعلى مدى الشهور الماضية، ترددت كثيرًا في وسائل الإعلام الأمريكية وكذلك على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، خطط مبهمة عن تشكيل قوات دولية عربية فلسطينية مشتركة، أو عربية فقط، أو دولية فقط، لإدارة القطاع والإشراف على خطط إعادة الإعمار، لكن كلها تبقى أحاديث في الهواء، فلم يعلن رسميًا أي طرف عن استعداده أو رغبته في المساهمة في إدارة هذا القطاع البائس المدمّر المكتظ بالسكان.
لم يتوقف الرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين في إدارته كثيرًا أمام حقيقة أنه لم يصدر تصريح واحد رسمي من إسرائيل يعلن الموافقة على خطة بايدن، أو على قرار مجلس الأمن الأخير الذي تبناها رسميًا، والتزموا جميعًا بتوجيه اللوم لحركة "حماس" فقط وتحميلها مسؤولية عدم نجاح الصفقة لأنها لم تقل "نعم"، وفي الوقت نفسه، انتقد بلينكن رد "حماس" الذي جاء متأخرًا نحو أسبوعين على مبادرة بايدن وذلك لأنه يسعى ببساطة إلى الحصول على ضمانات قاطعة بأن وقف إطلاق النار لن يكون مؤقتًا، ثم تعود إسرائيل إلى استئناف الحرب سعيًا لاقتلاع ما تبقى من قدرات "حماس" العسكرية بعد أن يتم الانتهاء من الإفراج عن كل الرهائن الإسرائيليين اللذين تحتفظ بهم "حماس". فورقة الرهائن الإسرائيليين هي ورقة الضغط الرئيسية في يد "حماس"، وسيكون من السذاجة الإفراج عنهم جميعًا ثم انتظار ما ستقوم به إسرائيل في ظل غياب تعهد قاطع بوقف دائم لإطلاق النار وهو ما يعني استمرار بقاء "حماس" في الحكم وهزيمة نتنياهو وتحالفه المتطرّف.
في الواقع، كل ما يهم إدارة بايدن ويتطلع له بكل قوة هو الحصول على وقف لإطلاق النار الآن، حتى لو كان مؤقتًا، وذلك سعيًا وراء أي إنجاز يستطيع أن يتجاوز به الانقسامات القائمة داخل "الحزب الديمقراطي" بسبب انحيازه الفاضح للكيان الصهيوني وذلك قبل الانتخابات الرئاسية الصعبة المقبلة أمام خصمه اللدود دونالد ترامب.
قبل يومين فقط من كشف بايدن بشكل مفاجئ عن مقترح الصفقة في 31 مايو/أيار، عقد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي اجتماعًا غاضبًا مع مجموعة من أهالي الرهائن الإسرائيليين وقال لهم صراحة إنه لا يضمن سوى تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة التبادل، وهو ما يعني التخلي عن بقية الرهائن. كما صرّح في مقابلة تلفزيونية أنه يتوقع أن تمدد الحرب في غزّة سبعة شهور أخرى.
ورغم كل ما شهدته الساحة الإسرائيلية الداخلية من تغيّرات باستقالة عضو حكومة الحرب بيني جانتس وتصاعد احتجاجات أهالي الرهائن، فإنّ شيئًا لم يتغيّر عمليًا بالنسبة لنتنياهو، الذي تزداد ثقته مع الوقت على قدرته في البقاء في منصبه، على الأقل حتى الوصول إلى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد خمسة شهور، وهو ما يتماهى عمليًا مع تصريحات مستشاره المقرّب للأمن القومي هنغبي.
استمرار حالة الانقسام الفلسطيني ورقة رابحة يضيفها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى جعبة ألاعيبه وحيله
سؤال "الفيل في الغرفة" لا يهم الجانب الإسرائيلي والأمريكي فقط، ويجب أن يمثّل همًا ثقيلًا للجانب الفلسطيني كذلك، وفي هذا الصدد، فإنّ المؤشرات لا تقل صعوبة عن استمرار تباعد المواقف بين السلطة الفلسطينية في رام الله وقيادة حركة "حماس" بشأن مستقبل إدارة القطاع، وهو الأمر الذي يدركه نتنياهو ويستغله جيدًا في إدارته للحرب والقرار الذي اتخذه بإعادة احتلال القطاع أو تحويله لمنطقه تعيش في حالة من الفوضى المتواصلة ويقتات سكانه من المساعدات بينما تتحرك قوات الاحتلال بحرية لاستهداف القدرات العسكرية لحركة "حماس".
تقدم الجانب الفلسطيني بموقف موحّد وواضح على سؤال "الفيل في الغرفة" أي مستقبل القطاع والتمسك بأنه جزء من الدولة الفلسطينية المستقلة هو السبيل الوحيد لكبح جماح نتنياهو ورعاته في واشنطن. أما استمرار حالة الانقسام الحالية، فهي ورقة رابحة يضيفها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى جعبة ألاعيبه وحيله التي لا تنتهي.
(خاص "عروبة 22")