في بيان الإستقالة، كان غانتس قد اتهم نتنياهو بمنع إسرائيل من تحقيق "نصر حقيقي"، ملمحًا إلى أنه يعطي الأولوية لاسترضاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف. في حين أشار آيزنكوت إلى أنّ "الكابينت" تم منعه، لفترة طويلة، من اتخاذ القرارات الرئيسية. لكن المشترك في الإستقالات الثلاث، كان المطالبة بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو مطلب باقي قوى المعارضة، لكن لا تزال شروطه على ما يبدو غير متوفرة بعد.
من حيث المبدأ، "التضحية" بمجلس الحرب، من جانب نتنياهو، كان خيارًا متوقعًا لأنّ الخيار الآخر كان "التضحية" بالإئتلاف الداعم لحكومته، الأمر الذي كان من المستحيل أن يرضى به بسبب التداعيات التي سيتركها ذلك على مستقبله السياسي. إلا أنه في المقابل بات اليوم خاضعًا بشكل كامل لإرادة الأحزاب اليمينية المتطرفة التي يمثّلها بشكل رئيسي كل من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين كانا يهددان دائمًا بإسقاط الحكومة، إذا دخل رئيس الوزراء في اتفاق بشأن غزّة يتضمن إنهاء الحرب دون القضاء على "حماس".
في هذا السياق، يعتبر الخبير الأردني في الشؤون الإسرائيلية أيمن الحنيطي، في حديث لـ"عروبة 22"، أنّ "أسباب إستقالة غانتس إنتخابية بالدرجة الأولى، لا سيما أنّه خسر كثيرًا على المستوى الشعبي من بقائه في مجلس الحرب وقربه من نتنياهو"، مشيرًا إلى أنّ "نتائج إستطلاعات الرأي أظهرت تراجعًا كبيرًا في شعبيته في الأشهر الماضية".
بالنسبة إلى هذه النقطة، يوضح الحنيطي أنّ "غانتس كان قد خسر بعد إنسحاب رئيس حزب "تيكفا حداشا" غدعون ساعر من حكومة نتنياهو"، الذي وصفه بأنه "محترف في خلق الخلافات داخل الإئتلافات الحزبية"، لافتًا إلى أنّ "الشارع الإسرائيلي كان قد أرسل أكثر من إشارة إلى غانتس، بأنّ وجوده داخل مجلس الحرب لا فائدة منه، طالما أنّ نتنياهو يرفض الذهاب إلى صفقة، وبالتالي كان من مصلحته الذهاب إلى خيار الإستقالة، في ظل المطالبات المتزايدة بالذهاب إلى انتخابات مبكرة".
في الوقت الراهن، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بالتداعيات التي من الممكن أن تترتب على هذه الإستقالات، خصوصًا بالنسبة إلى القرارات المتعلقة بالعدوان على غزّة وجنوب لبنان، لا سيما أنّ هناك من لا يستبعد أن يبادر وزير الدفاع يؤآف غالانت إلى خطوة ممثالة في الفترة المقبلة.
في هذا الإطار، تفيد تقديرات الخبراء بالشأن الإسرائيلي بأنّ ما يحصل سيقود إلى تعزيز الإئتلاف الحاكم الداعم لحكومة نتنياهو، خصوصًا بعد أن تجاوز قطوع التصويت على القانون المتعلق بتجنيد "الحريديم" في الكنيست، حيث أنّ هذا الإئتلاف لا يزال يضم 64 عضوًا من أصل 120. أما بالنسبة إلى غالانت، فمن المستبعد أن يذهب إلى الإستقالة من الحكومة، نظرًا إلى أن هذا سيعني المغامرة بمستقبله السياسي، على اعتبار أنه من أعضاء حزب "الليكود".
ويرى الحنيطي أنّ "رئيس الوزراء الإسرائيلي سيكون أكثر تشبثًا برأيه في المرحلة المقبلة، خصوصًا بعدما روّج لعملية النصيرات على أساس أنها "إنجاز" كبير يمنحه قوةً لإقناع الشارع بنجاح العمليات العسكرية التي يخوضها في غزّة لتحرير الأسرى الإسرائيليين". وبالتالي من المتوقع أن يمضي في خيار الحرب ولن يردعه شيء، لا سيما وأنه بات أكثر رضوخًا للأحزاب اليمينية المتطرفة، في ظل العجز الدولي والأممي عن الدفع باتجاه نحو وقف إطلاق النار.
طوال الأشهر الماضية، كان غانتس يُعتبر من العناصر الهامة للإدارة الأميركية داخل الحكومة الإسرائيلية، على قاعدة أنه يمثّل المجال الذي تعبّر من خلاله الولايات المتحدة عن انتقاداتها لسياسات نتنياهو، الأمر الذي دفع البعض إلى طرح علامات إستفهام حول ما إذا كانت إستقالته جاءت بدفع من واشنطن، في سياق توجيه الرسائل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبالتالي من الممكن أن تكون مقدمة لخطوات أخرى على هذا الصعيد، لا سيما مع ترحيب قوى المعارضة الإسرائيلية بها.
لكن بالنسبة إلى الحنيطي فهذا الأمر مستبعد، لأن غانتس، من الناحية العملية، لم يعد قادرًا على إحداث تحوّل كبير في الشارع الإسرائيلي، على عكس ما كان عليه الوضع قبل أشهر، ويضيف: "الأميركيون لا يستطيعون التأثير في السياسة الداخلية الإسرائيلية، على عكس الإسرائيليين الذين يملكون تأثيرًا كبيرًا في الولايات المتحدة".
(خاص "عروبة 22")