ظهرت «الحرب على غزة» بوضوح تام خلال المناظرة الرئاسية الأمريكية الأولى التي نظمتها شبكة CNN أمس الأول في مدينة اتلانتا (ولاية جورجيا) بين مرشحي الرئاسة 2024، الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن، والسابق الجمهوري دونالد ترامب.. والتي حظيت بمتابعة العالم أجمع وعلى كافة المستويات نظرا لأهمية هذه الانتخابات وانعكاساتها على جميع دول العالم كما الداخل الأمريكي.. ولأن نتيجة الانتخابات تحدّد سياسة الولايات المتحدة داخليا وخارجيا للسنوات الأربع المقبلة، ولذلك فإنّ دولًا تتمنى بقاء الرئيس الحالي بايدن وأخرى تتمنى وتدعم بقوة عودة الرئيس السابق ترامب.
لذلك من الضروري التوقف عند مفاصل مهمّة في هذه «المناظرة» التي ستتلوها مناظرات قادمة قبل نحو خمسة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل:
1 -بالنسبة لمنطقتنا فقد كان موقف المرشحين من القضية الفلسطينية و«العدوان على غزة»، تحديدا، واضحا في آراء ومواقف بايدن وترامب في الحديث عن السياسة الخارجية واتضح بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل ما يلي:
أ)-كلا المرشحين يتنافسان ويتسابقان على من هو الأكثر دعما لاسرائيل (والصوت الاسرائيلي متمثلا في «الأيباك» تحديدا مهم ومؤثر جدا في الانتخابات الامريكية).
ب)- كلا المرشحين داعم وبقوة هدف اسرائيل بالقضاء على «حماس».
ج)-بايدن أكد موافقة «الجميع» على خطته لوقف الحرب على غزة واتّهم «حماس» بأنها تريد الاستمرار في الحرب، في المقابل أكد ترامب أن اسرائيل هي الطرف الوحيد الذي يريد استمرار الحرب وأن على بايدن تركها تكمل مهمتها، وأن بايدن أصبح «فلسطينيا سيئا للغاية».
د)-بايدن تفاخر بأنه «أنقذ اسرائيل» وأنه «أكبر داعم لها في العالم»، ودافع عن قراره بتعليق إرسال قنابل تزن 2000 رطل (أكثر من 900 كلغ)، لأنه من الصعب أن تستخدم في مناطق مأهولة.
ه)-ترامب تهرّب من الرد على سؤال بوضوح حول ما اذا كان سيؤيد قيام دولة فلسطينية بانه سينظر في الامر في ذلك الحين.
و)-بالنسبة لنا (في المنطقة العربية والشرق الاوسط) سياسة المرشّحين حول القضية الفلسطينية واضحة وباتت أكثر وضوحا مع العدوان على غزة، فالسياسة الامريكية من الحزبين ترى بأن أمن اسرائيل مرتبط بأمن امريكا، والادارة الامريكية الديمقراطية الحالية تقدم كل الدعم لاسرائيل في عدوانها على غزة (كما قال بايدن في المناظرة)..أما ترامب فلا حاجة لأن يضيف جديدا وادارته عرّابة «صفقة القرن».
ز)-باختصار: في «الملف الفلسطيني»..اذا فاز بايدن فالدعم الأمريكي لاسرائيل مستمر.. مع استمرار الوعود بحل الدولتين دون رؤية تنفيذية.. مع اجراءات خجولة لمساعدات انسانية لا توقف جرائم الابادة ضد الاطفال والنساء.
-واذا فاز ترامب فان صفقة قرن أكثر سوءا تنتظر المنطقة من شخص لا يؤمن بدولة فلسطينية ولا بـ«الأونروا» ولا حتى بحق الفلسطينيين في الوجود.
2 - يبقى السؤال المهم: ما هو حجم تأثير السياسة الخارجية على خيارات الناخب الامريكي؟ وتحديدا «الحرب على غزة»؟
-وفقا للاستطلاعات- ورغم التأثير الأكبر لـ«اللوبي اليهودي» في الانتخابات الامريكية - إلاّ أن حسابات تقول بأنّ أصوات الامريكيين العرب هذه المرّة - إضافة الى أقليات أخرى، قد يكون لها تأثير بقلب الموازين في «الولايات المتأرجحة» والتي توصف بولايات «ساحة المعركة»، تقف ضد سياسة بايدن وتعامله مع العدوان على غزة (خصوصا وأن هذه الاقليات هي من رجّحت كفة بايدن في الانتخابات السابقة) لكنها هذه المرّة - وفقا لاستطلاعات سترجح كفة ترامب.
3 - تركيز المرشحين - كما في جميع الانتخابات السابقة - ينصب على الولايات المتأرجحة والتي يختلف اهتمام كل واحدة فيها عن الاخرى وفقا لحجم الاقليات في كل منها وهذه الولايات بحسب آخر التقارير هي: (أريزونا -جورجيا -ميشيغان- بنسلفانيا -وويسكونسن) ويضيف البعض لها هذه المرة ولايات (نيفادا -نورث كارولاينا-ومينيسوتا).
4 - اهتمامات الاقليات العربية خصوصا في «ميشيغان» تتقدمها «الحرب على غزة» ولذلك فانها ستصوت ضد بايدن هذه المرّة، في حين اهتمامات الاقليات الامريكية من أصول افريقية في جورجيا «اقتصادية» بالدرجة الاولى (التضخم والبطالة) إضافةً لتأثرها بالحرب على غزّة ولذلك ستصوت ضد بايدن. أما «اريزونا» ذات الاقليات اللاتينية والتي تشكل 15% من الناخبين فأولوياتها (الهجرة، الاجهاض).. وقد تراجع تأييدها لبايدن رغم احتفاظه بالتقدم على ترامب فيها حتى الآن.
5 - باختصار: المناظرات لا تؤثر كثيرا بتغيير مواقف الناخبين رغم الاتهامات والشتائم والفضائح (5% فقط قالوا انهم غيروا رأيهم بشأن من سيصوتون بعد مناظرة امس الاول) لكنّها بالتأكيد مهمة للحزبين لتدارك الاخطاء ومحاولة اقناع الاصوات المتأرجحة التي تبقي على عنصر المفاجأة والاثارة حتى الساعة الأخيرة من اعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.
("الدستور") الأردنية