فما حصل في الفترة الأخيرة، لناحية الإعتداءات التي وقعت في بعض المدن التركية وردات الفعل عليها في الشمال السوري، ليس وليد الساعة، بل هو نتيجة مجموعة من التراكمات التي كانت قد سُجّلت في المرحلة الماضية، وصولًا إلى انعطافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من دعم المعارضة السورية إلى استعادة العلاقة مع النظام السوري برعاية روسية وعراقية.
في هذا السياق، تلفت مصادر سورية معارضة إلى "مجموعة من التحوّلات التي بدأت تُسجّل في موقف الجانب التركي منذ العام 2016، حين بدأت أنقرة ترصد ما تعتبره تهديدات تمثلها "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية على أمنها القومي، وهو ما قادها إلى تقديم تنازلات تتعلق بالعلاقة مع كل من موسكو ودمشق، على المستويين السياسي والأمني، من خلال مسار لقاءات الأستانة".
بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر عبر "عروبة 22" إلى أنه "لا يمكن تجاهل عامل أساسي يكمن في سعي قوى المعارضة التركية، في ظل الأوضاع الصعبة على المستوين الإقتصادي والإجتماعي، إلى محاولة إستغلال ورقة اللاجئين السوريين، وشنّ حملة واسعة من التحريض ضدهم، بدأت تداعياتها بالظهور تباعًا، من خلال إعتداءات عنصرية طالت العديد منهم من جانب متطرفين أتراك، وهو ما قاد الحكومة التركية إلى ملاقاتها بمجموعة من الإجراءات المتشددة بحق اللاجئين، بسبب تزايد حجم الإمتعاض في الأوساط الشعبية، لا سيما في المناطق الحدودية، وبالتالي وجدت السلطات التركية أنّ لها مصلحة في استخدام هذه الورقة وسحبها من يد المعارضة".
وبالنسبة إلى المصادر السورية المعارضة نفسها، فقد ساهمت مؤشرات التقارب التركي مع النظام السوري في تعاظم ردة الفعل التي حصلت في مناطق الشمال السوري، نظرًا إلى الشعور بأنّ تركيا تقترب من التخلي عن معارضي النظام بشكل كامل، على إعتبار أنّ أنقرة ستكون مضطرة إلى تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات التي من المقرر أن تجري في بغداد من أجل الحصول على مكاسب في الملفات التي تعنيها، وستسعى بالتالي إلى إعادة القسم الأكبر من اللاجئين إلى الداخل السوري ليلاقوا مصيرهم بأنفسهم بمعزل عن أي ضمانات أمنية أو سياسية للمعارضين منهم.
وبحسب بيانات دائرة الهجرة التركية، يبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا 3 ملايين و120 ألفًا و430 شخصًا بعدما كان عددهم أكثر بنحو ثلاثمئة ألف لاجئ في شهر شباط الماضي، غير أنّ السلطات التركية كانت قد بدأت منذ أشهر بمجموعة من الإجراءات المشددة التي تهدف إلى ترحيل أكبر عدد ممكن من اللاجئين إلى مناطق الشمال السوري، حيث شكلت الملاحقات الأمنية القائمة ضد اللاجئين أحد أبرز أسباب النقمة على أنقرة وحكومتها من جانب السوريين اللاجئين نتيجة اعتماد سياسة الترحيل القسري بحقهم وحق عائلاتهم.
من الأمور اللافتة، في موجة الإعتداءات الأخيرة على السوريين، أنها جاءت بناء على "إشاعة"، تفيد بتعرّض طفلة تركية للتحرش من لاجئ سوري، قبل أن يتبيّن أن الطفلة سورية الجنسية، وهي قريبة المعتدي الذي يعاني من مشكلات عقلية، ما يؤشر إلى وجود حملات ممنهجة ضد اللاجئين، لا سيما وأنّ وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا كان قد أعلن، الثلاثاء الفائت، توقيف 474 شخصًا على خلفية التحريض إثر الأحداث التي شهدتها ولاية قيصري، بينهم 285 من أصحاب السوابق، داعيًا المواطنين الأتراك إلى عدم الانسياق خلف الأعمال التحريضية، والتصرف باعتدال، ومتعهدًا بمحاسبة من يدبّرون لهذه المخططات والمؤامرات "ضد دولتنا وشعبنا". في حين أعلن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، أنّ الأحداث الأخيرة في تركيا وشمال سوريا، سببها فشل السياسة الخارجية التركية في التعامل مع الأزمة السورية منذ بدايتها، مطالبًا بالإسراع في عقد مباحثات مع حكومة دمشق لتطبيع العلاقات ومعالجة القضايا الأمنية وقضية اللاجئين.
ومن جانبه سعى أردوغان إلى امتصاص النقمة السورية ضده فاعتبر أنّ الأحداث الجارية تأتي ضمن "مخطط فوضى مدبّر" داعيًا الأتراك والسوريين إلى عدم الوقوع "في هذا الفخ الخبيث"، بينما دعا "الائتلاف الوطني السوري" إلى "ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الشائعات وخطاب الكراهية والعنصريين الذين يحرّضون على الفوضى والأذى".
في الختام، وإذ تعتبر المصادر السورية المعارضة أن المساعي لاحتواء الحوادث الجارية لا تعني عدم إمكانية تكرارها في المستقبل، تنبّه في هذا الإطار أنّ "ما حصل، في الأيام الماضية، في مناطق شمال سوريا مرجح إلى التطور فيما لو قرّرت أنقرة الماضي في سياسة التقرّب من النظام السوري والانقلاب على معارضيه".
(خاص "عروبة 22")