قضايا العرب

اغتيال إسماعيل هنية: 5 أهداف إسرائيلية!

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

لا يمكن فصل عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران فجر الأربعاء الماضي، عن محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجامحة لجر المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة، يهدف من خلالها إلى القفز على مطالبات معارضيه الذهاب إلى انتخابات مبكرة، قد تنهي مستقبله السياسي وتؤدي إلى ملاحقته قضائيًا، فضلًا عن سعيه الحثيث لإعادة رسم صورة انتصار تُنسي الشارع الإسرائيلي ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الماضي.

اغتيال إسماعيل هنية: 5 أهداف إسرائيلية!

قبيل اغتيال هنية بيومين فقط، أفشل نتنياهو ما يمكن وصفه بآخر محاولة للتهدئة والوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزّة، عندما قدّم طرحًا جديدًا على مائدة اجتماع روما الذي جرى بمشاركة مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز، ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع، ورئيس جهاز المخابرات المصري اللواء عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نسف به كافة الأطروحات السابقة والتي تضمّنها المقترح السابق للرئيس الأمريكي جو بايدن للوصول إلى هدنة في القطاع.

أعلن نتنياهو عبر وفده في روما عن رفض عودة سكان شمال القطاع لمناطقهم إلا بعد فحصهم من الجيش الإسرائيلي، وكذلك التمسك ببقاء القوات الإسرائيلية في محوري نتساريم بوسط غزّة، وفيلادلفيا على الحدود مع مصر، في وقت كان فيه المقترح الأمريكي السابق يتضمن انسحابًا من المحورين، بحسب مصادر مطلعة على سير المفاوضات.

خطوة نتنياهو بطرح مقترح إسرائيلي جديد يتضمن تراجعًا عن بنودًا أبدى موافقته عليها في السابق، كان هدفها الرئيس دفع حركة "حماس" لرفض الصفقة ومن ثم صب مزيد من الزيت على النيران المشتعلة سواء في غزّة أو تلك المتصاعدة في نطاق الحدود الشمالية مع "حزب الله" اللبناني، وهو ما دفع وزير الأمن في حكومة الاحتلال يوآف جالانت لتوجيه انتقادات لاذعة له خلال اجتماع لمجلس الحرب المصغر "الكابينيت"، متهمًا إياه بإفشال آخر محاولة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.

ثمة أهداف أخرى ربما يكون نتنياهو قد ساقها لقادة الأجهزة والمنظومة الأمنية في إسرائيل من أجل انتزاع موافقة على عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" في إيران التي تُعد بمثابة المسرح الأكثر ملائمة لتلك الخطوة بالنسبة لتل أبيب كونها تجنّبه أية أزمات دبلوماسية مع أي من الدول الأخرى التي كان يتردد عليها هنية مؤخرًا، مثل تركيا أو قطر أو مصر.

يتقدم تلك الأهداف استعادة الهيبة المفقودة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، وتحديدًا عندما سقطت سمعة المنظومة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية، ورسم صورة جديدة يمكنها أن تمحو مشاهد استباحة مقاتلي المقاومة مستوطنات غلاف غزّة والمواقع العسكرية الإسرائيلية، وأسر الجنود من داخلها دون أدنى مقاومة، وكذلك استعادة معادلة الردع الإقليمية التي مزّقها حلفاء إيران في المنطقة، بوصول مسيّراتهم وصواريخهم إلى قلب تل أبيب وحيفا وإيلات، بخلاف حالة الرعب التي دبت في الشمال إثر التصعيد المتبادل مع "حزب الله" اللبناني.

أحد الأهداف الأخرى التي تندرج تحت هذا المحور، هو إثارة أزمة بين إيران وحلفائها عبر هزّ ثقتهم في قدرة طهران على توفير الحماية لهم عندما تفشل في تأمين ضيوفها على أراضيها، مما يشكك في قدرتها على قيادة محور المقاومة.

بعض الأهداف التي أرادت إسرائيل تحقيقها على المستوى الإيراني والتي ربما يكون نتنياهو قد أقنع قادة منظومته الأمنية بتحقيقها، هي قطع الطريق أمام الرئيس الإصلاحي الجديد في إيران مسعود بزشكيان الذي كشف عن توجه واسع لتحسين علاقة طهران بالغرب وبمحيطها العربي، عقب جره لردود تزيد المشهد تعقيدًا، خاصة في ظل تسريب روايات متعلقة بتفاصيل عملية الاغتيال التي تشير إحداها إلى إمكانية انطلاق المسيرة التي استهدفت هنية من قاعدة عسكرية في إحدى دول الجوار في ظلّ صعوبة انطلاقها من إسرائيل نظرًا لبُعد المسافة.

أما عن الهدف الآخر في هذا المحور، فيرتبط بملف إيران النووي، في الوقت الذي تشير فيه بعض التقديرات لاقتراب طهران من امتلاك سلاح نووي، فربما يكون الرد المنتظر من جانب إيران على عملية اغتيال هنية على أراضيها، ذريعة لإسرائيل لتوجيه ضرب قوية للمشروع النووي الإيراني ومنشآته.

تساؤل آخر يطرح نفسه بعيدًا عن الأهداف الإسرائيلية، يتعلّق بالأساس بتداعيات غياب هنية من المشهد على حركة "حماس"، ومستقبل قيادة التنظيم وتماسكه، وهنا يمكن القول بأنّ صلابة اللائحة الداخلية للحركة ربما يضمن لها في مثل تلك المواقف تجنّب الأزمات، إذ تشير اللائحة في هذا الإطار إلى تولي أحد النواب الثلاثة الممثلين في رؤساء الأقاليم مهام منصب رئيس المكتب السياسي حال خلوّه لحين إجراء الانتخابات، وهم خالد مشعل رئيس إقليم الخارج، ويحيى السنوار رئيس إقليم غزّة، إضافة لرئيس إقليم الضفة الذي ينوب عنه قائم بالأعمال وهو زاهر جبارين والذي خلف صالح العاروري الذي تم اغتياله في الضاحية الجنوبية لبيروت.

لكن ثمة إشكالية قد تعقّد المشهد في ظل صعوبة تكليف السنوار بمهام رئيس المكتب السياسي لحين إجراء انتخابات داخلية منتصف 2025 مرتبطة بوضعه الأمني داخل غزّة، متمثلة في وجود شوائب في العلاقة بين خالد مشعل المرشح الأول لخلافة هنية مع إيران الحليف الرئيسي للحركة، ما يفتح الباب لإمكانية اللجوء لمجلس شورى الحركة العام، لتكليف قيادي آخر بـ"حماس" بتلك المهمة لتجنّب توتر العلاقات مع طهران، وهنا تشير الترجيحات إلى أنّ الحركة قد تكلف زاهر جبارين بالمسؤولية ولو بشكل مؤقت لحين انتهاء جولة الصراع الحالية ومن ثم إجراء انتخابات داخلية.

يمكن القول بأنّ عملية اغتيال هنية هي حلقة ضمن سلسلة طويلة من محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للهروب من أزماته الداخلية عبر إشعال مزيد من النيران في الإقليم، فهل تتطور الأمور في هذا الاتجاه؟.. هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن