بالحديث عن تغيير الوضع في القدس واعتبارها عاصمة موحدة لدولة إسرائيل التي لن تقسّم مرة أخرى، وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهذا يعني أننا أمام حتمية إعدام حل الدولتين.
عملياً، لم يعد هناك مجال للحديث عن حل الدولتين على الأقل في ظل الحكومة الحالية والقوانين التي سنّتها وتعمل على تنفيذها لتغيير الواقع على الأرض. ومن الأمثلة على ذلك أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، قال في المؤتمر الذي بادر إليه بمناسبة ما يسمى «عودة إسرائيل إلى جبل الهيكل»: «أنا المستوى السياسي، والمستوى السياسي يسمح بصلاة اليهود في جبل الهيكل». فيما قال نتنياهو أمام الكونغرس، إن القدس هي «عاصمة دولة إسرائيل الموحدة، والتي لن تقسّم مرّة أخرى».
وأضاف بن غفير، خلال المؤتمر الذي عقد في الكنيست، أن «جبل الهيكل (المسجد الأقصى) يمر بتغيير. نحن جميعاً نفهم ما أتحدث عنه. ما يجب أن يقال بهدوء سيتم قوله بهدوء». وتابع بن غفير حديثه: «أنا كنت في جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، صليت في جبل الهيكل نحن نصلي في جبل الهيكل.. دائماً كانوا يقولون لي: «المستوى السياسي، المستوى السياسي، أنا المستوى السياسي»، وأضاف أنه «لا يزال هناك الكثير لإصلاحه، والكثير من الأهداف التي يتم التوجه نحو تحقيقها، ولا تزال هناك جميع أنواع النقاط وجميع أنواع المناطق التي يتعرض فيها اليهود للتمييز»، على حد تعبيره.
وتابع بن غفير: «هذه عنصرية، لا يوجد أي سبب لعدم فتح جبل الهيكل (المسجد الأقصى) أمام اليهود على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، وعدم السماح لهم بالصعود إلى جبل الهيكل أيام السبت. جميع مناطق جبل الهيكل ستكون مفتوحة لليهود».
وعقب وزير الأمن، يوآف غالانت، قائلاً إنه «يجلس في الحكومة الإسرائيلية شخص مريض بإشعال الحرائق ويحاول إشعال الشرق الأوسط»، في إشارة إلى بن غفير. وأضاف غالانت: «أعارض أي مفاوضات لإدخاله إلى كابينيت الحرب، فهذا سيسمح له بتطبيق مخططاته». وتنصل وزير الداخلية موشيه أربيل (شاس) من تصريحات بن غفير قائلاً، إن «الكفر الكبير الذي ارتكب لا يمكن أن يمر بهدوء.. إن حظر الصعود إلى جبل الهيكل هو موقف جميع حاخامات إسرائيل الكبار منذ أجيال».
وكتب رئيس اللجنة المالية موشيه غافني (يهدوت هتوراة) في منصة «إكس» أن «الصعود إلى جبل الهيكل ينطوي على حظر صارم. أطالب رئيس الوزراء بعدم السماح بتغيير الوضع الراهن في جبل الهيكل، وإذا حدثت تغييرات، يجب إغلاق جبل الهيكل في وجه اليهود». وقبل أيام تقدم بن غفير اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى المبارك، من جهة باب المغاربة، بحماية شرطة الاحتلال.
ولكن الحكومة التي تعارض بن غفير هي ذاتها التي منحته سلطات أكبر من بينها مصادقة الهيئة العامة للكنيست على قرار الحكومة الإسرائيلية بنقل المسؤولية عن سلطة إنفاذ الأراضي وعملها إلى وزير الأمن القومي (بن غفير)، بتأييد 55 عضو كنيست ومعارضة 51. وتمنح صلاحيات سلطة إنفاذ الأراضي وبدأها بن غفير المسؤولية عن هدم البيوت في المجتمع العربي بزعم البناء غير المرخص، علماً أن إنفاذ هذه الصلاحيات لم يطبق أبداً في المجتمع اليهودي.
يشار إلى أن هذه الصلاحيات كانت ضمن مسؤولية وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش. وجاءت المصادقة بعد أن وافقت الأحزاب الحريدية على تأييد نقل الصلاحيات إلى بن غفير. وإعطاء بن غفير مزيداً من الصلاحيات يعني أنّه إعطاء للضوء الأخضر لزيادة المستوطنات وتهجير السكان العرب وتنفيذ مخطط إعادة الضمّ الذي يؤيده رئيس الحكومة.
ولكن الأخطر من كل هذا هو أن نتنياهو نفسه كان قد اعتبر مفاوضات أوسلو خطأ كبيراً، وأنّه لن يعترف بدولة فلسطينية، ولن يسمح بتقسيم القدس مرة أخرى، وبطبيعة الحال فهو ضدّ أي مقترح لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجّروا منها منذ العام 1948. وعليه فنحن أمام حقيقة ماثلة لم تعد تقبل الشك، وهي أنّ الطرف الآخر يسقط كل مبادرة للسلام في المنطقة، بل كل حل يمكن أن يؤدي إلى استقرار دائم.
الطرف العربي الذي تقدم بمبادرة منذ العام 2002، ورغم التنازلات الكبرى التي قدمها، والتضحيات الجسيمة التي دفع ثمنها الفلسطينيون إلاّ أنّه لا شيء تحقق ولا يبدو أنه في الطريق إلى التحقيق، والسبب ليس الطرف المقابل بل راعي السلام الذي لم يكن يوماً على الحياد في القضية الفلسطينية برغم قرارات الشرعية الدولية الكثيرة التي أصدرتها الهيئات الأممية طوال فترة الصراع.
وبما أن الراعي لم يعد قادراً فعلياً على تحقيق السلام فلا بدّ من تغيير رعاة السلام؛ حتى يكونوا أكثر حيادية وأكثر قدرة على فرض قرارات الشرعية الدولية، وهذا هو الطريق الأسلم لإنهاء الصراع، أما غير ذلك فنحن أمام استمرار لحلقات من مسلسل دموي يذهب ضحيته الفلسطينيون أولاً وأخيراً.
(الخليج الإماراتية)