منذ اندلاع الحرب الأخيرة، نجحت إسرائيل في اغتيال مجموعة من قيادات الصف الأول بـ"حماس"، في مقدّمتهم هنية، ونائبه صالح العاروري، وسبقهما مجموعة من أعضاء مجلس شورى الحركة ومكتبها السياسي في غزّة، على رأسهم أحمد بحر رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني بالإنابة، وأسامة المزيني رئيس مجلس الشورى، فضلًا عن أعضاء المكتب السياسي جميلة الشنطي، وزكريا أبو معمر، وجواد أبو شمالة.
كما طالت الاغتيالات قادة عسكريين أبرزهم أحمد الغندور قائد لواء الشمال في "كتائب القسام"، وأيمن نوفل قائد لواء المنطقة الوسطى، ورافع سلامة قائد لواء خان يونس، إضافة إلى خليل خراز وسمير فندي وعزام الأقرع من قيادات "القسام" بالخارج، هذا بخلاف محمد الضيف القائد العام للقسام، ونائبه مروان عيسى، ورائد سعد رئيس منظومة التصنيع العسكري، والذين أكد جيش الاحتلال نجاحه في اغتيالهم، فيما ترفض "حماس" تأكيد أو نفي تلك المعلومات.
يقول قيادي في "حماس"، إنه رغم نجاح إسرائيل في اغتيال عدد من قيادات الصف الأول بالحركة خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2010، بدءًا من المؤسس أحمد ياسين مرورًا بعبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة وإسماعيل أبو شنب وسعيد صيام، إلا أنّ عجلة الحركة لم تتوقف عن الدوران بل ازدادت سرعة وقوة، وتطور أداء "حماس" سواء على المستوى التنظيمي والإداري أو على المستوى العسكري والتسليحي.
ويوضح أنّ هناك آليات محددة يتم تنفيذها تلقائيًا حال غياب أحد القيادات من المشهد، إذ إنّ البدائل تكون محددة بشكل مسبق، وهو ما يضمن عدم وجود فراغ في المستويات القيادية سياسيًا وعسكريًا.
ضربات موجعة ولكن..
ويضيف قيادي آخر: "بالطبع كانت هناك ضربات موجعة للحركة على مدار الشهور الماضية، لكن في المقابل استطاعت الحركة امتصاصها والثبات في الميدان، ومن ثم إلحاق خسائر كبيرة في قوات جيش الاحتلال"، مستشهدًا بما حدث ويحدث في رفح "بعد نحو تسعة أشهر من القتال العنيف وعمليات القصف التي طالت أنحاء القطاع، وجد الاحتلال نفسه في ورطة كبيرة عند اجتياح رفح بريًا بسبب حجم المقاومة والخسائر التي لحقت بقواته بعدما ظن أنه قضى على قدرات الحركة وقادتها الميدانيين".
ذخيرة السجون
عقب صفقة تبادل الأسرى التي جرى بموجبها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011، كانت "حماس" على موعد مع ما يمكن تسميته "البناء القيادي الثاني"، إذ جرى بموجب الصفقة إطلاق عدد من كبار قادتها بالسجون الإسرائيلية، وتولى هؤلاء لاحقًا مواقع قيادية في الحركة، حيث يضم المكتب السياسي الحالي لـ"حماس" 4 من الأسرى المحررين في صفقة شاليط، وهم حسام بدران، وزاهر جبارين القائم بأعمال مسؤول الضفة الغربية، وروحي مشتهى الذي تصفه إسرائيل برئيس الوزراء الفعلي في غزّة، فضلًا عن السنوار – قائد الحركة الجديد - الذي تُحمّله إسرائيل مسؤولية ما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ما بين صفقتين
لعل أحد أسباب تعثّر إبرام صفقة جديدة بين الاحتلال و"حماس"، في الوقت الراهن، والتي من المفترض أن يتم بموجبها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، هو نتائج صفقة شاليط، إذ أدركت المنظومة الأمنية في إسرائيل بأنها سقطت في خطأ عندما سمحت لـ"حماس" بتجديد دمائها عبر القيادات المفرج عنهم، وذلك في وقت تتمسك فيه الحركة بإطلاق سراح عدد كبير من أصحاب المؤبدات من مختلف الفصائل ممن تصفهم تل أبيب بـ"الملطخة أيديهم بالدماء".
الضغط العسكري الإسرائيلي على "حماس" طوال الفترة الماضية يتضمن بين أهدافه خفض سقف شروطها وعلى رأس تلك الشروط المتعلقة بملف "أصحاب المؤبدات"، إذ يعمد نتنياهو إلى توسيع حجم التدمير والاستمرار في الحرب للهروب من فاتورة إطلاق القيادات النوعية، وهنا يقول قيادي بـ"حماس" لـ"عروبة 22" إنّ الصفقة المرتقبة حال تنفيذها، لن تجدد دماء "حماس" فقط أو تجعلها أمام "بناء ثالث"، لكنها ستجدد دماء الحياة السياسية الفلسطينية بالكامل، حيث تشترط إطلاق سراح القيادي مروان البرغوثي صاحب الشعبية الجارفة في حركة "فتح"، وأحمد سعدات الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية".
السنوار.. والقرارات الحاسمة
"حماس" فجّرت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أعلنت مساء الثلاثاء عن اختيار السنوار قائد الحركة في القطاع رئيسًا للمكتب السياسي خلفًا لهنية، المفاجأة تكمن في وقت ظنّ فيه الجميع استحالة توليه المنصب نظرًا للظروف الأمنية وملازمته للأنفاق في ظل ملاحقة إسرائيل له بشتى الطرق والوسائل.
ويحمل اختيار السنوار رسالة ذات دلالتين، ففيما يُفهم منه ظاهريًا أنه تصعيد يواجه التصعيد الإسرائيلي عقب اغتيال هنية، إلا أنه يجب عدم نسيان أنّ السنوار هو الرجل المعروف داخل الحركة بـ"الحاسم" بعدما اتخذ قرارات لم يكن لغيره من قادة الحركة أن يُقدم عليها، مثل المصالحة مع القيادي الفتحاوي محمد دحلان وتياره رغم ما كان من أنهار دماء سالت بين "فتح" و"حماس" عقب سيطرة الحركة عسكريًا على غزّة عام 2007، وكذك تعديل ميثاق تأسيس الحركة عام 2017 وحذف أحد النصوص التي كانت من صلب عقيدة الحركة كونها جزءًا من جماعة "الإخوان المسلمين" في فلسطين، وذلك تمهيدًا للمصالحة بين الحركة ومصر، فيما كان القرار الأصعب والذي ماطل فيه الكثيرون حتى جاء السنوار وحسمه بتصفية قيادات اتهموا بالعمالة لجهات خارجية على رأسهم أيمن طه المتحدث السابق باسم "حماس" ونجل أحد مؤسسيها.
قدرة السنوار على اتخاذ القرارات الحاسمة في ظل دعم مطلق من الجناح العسكري ربما يؤدي إلى حدوث انفراجة حال توافرت إرادة دولية وإقليمية للوصول إلى قرار بوقف الحرب ضمن تسوية شاملة، بحسب ما يرى أحد قيادات الحركة، الذي أشار إلى أنّ السنوار وحده القادر على تمرير أي اتفاق حتى لو كان يتضمن إرجاءً لشرط من شروط المقاومة.