يشمل اللوبى الصهيوني عددًا من مجموعات الضغط، ولجان العمل السياسي، ومراكز الفكر، ومجموعة مراقبة وسائل الإعلام، والمنظمات النافذة في الولايات المتحدة، مثل "أيباك" (IPAC)، و"مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى"، وهو جهة الاتصال الرئيسة بين الجالية اليهودية والسلطة التنفيذية للحكومة الأمريكية، و"المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل"، وهو أكبر لوبي مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، وفي سنة 2007، تأسست جماعة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، تُسمى "J street" (جي ستريت)، وهي جماعة ضغط أو لوبي صهيوني، ويعمل الجميع لتحقيق مصالح إسرائيل، ولجمع الأموال للدولة العبرية ودعمها في مفاوضاتها وصراعاتها المسلّحة مع العرب.
تساعد "أيباك" على ربط المانحين الماليين اليهود بالمرشحين للكونجرس وللرئاسة الأمريكية؛ مما يدفع المرشحين إلى التسابق على كسب ودها، وتطلب "أيباك" من كل مرشح أن يكتب كتابًا يُسمى "ورقة موقف" بشأن وجهات نظرهم بشأن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لذا يقدّم أغلب نواب الكونجرس ورؤساء الولايات المتحدة الدعم والتأييد المطلق لإسرائيل والصهيونية العالمية.
اليهود من أكبر ممولي الحملات الانتخابية لذلك يسعى مرشحو الرئاسة ومجلسي الشيوخ والنواب لاسترضائهم
ويحافظ اللوبي على اتصالاته اليومية بأفراد الإدارة، وبالشيوخ والنواب، خصوصًا مَن كانوا أعضاء في لجان الشؤون الخارجية والقوات المسلحة والميزانية، ويرسل ممثليه لحضور اجتماعات اللجان المعنية، ويعمل على حشد الدعم الأمريكي لتحقيق الأهداف الإسرائيلية.
يستطيع اللوبي الصهيوني التأثير في الانتخابات الأمريكية، وحشد الدعم المادي والعيني واللوجيستي لمرشحين بعينهم وتسهيل وصولهم للمناصب الكبرى، في الوقت الذي يناصبون قيه العداء لأي صوت يخالف وجهة النظر الإسرائيلية أو ينتقد أفعالها.
ويُعد اليهود من أكبر ممولي الحملات الانتخابية الرئاسية، لذلك يسعى مرشحو الرئاسة لاسترضائهم للحصول على دعمهم، وكذلك مرشحو مجلسي الشيوخ والنواب، ففي الحزب الديمقراطي الأمريكي مثلًا كان أكثر من 60% من الأموال التي حصل عليها "كارتر" و"كلينتون" في حملات الرئاسة من متبرعين يهود.
مؤسسات إعلامية خاضعة للسيطرة الصهيونية وهيمنة واضحة على "هوليود"
أيضًا سيطر اليهود على كثير من وسائل الإعلام الأمريكية، سواء في ملكيتها أو إدارتها، وعلى سبيل المثال أهم ثلاث شبكات تلفزيونية هي A.B.C/ N.B.C/ C.B.C، ومع وجود نحو 1750 صحيفة يومية و670 صحيفة أسبوعية في الولايات المتحدة، فإنّ اللوبي الصهيوني يركّز على أهم الصحف المؤثرة، فله ملكية ونفوذ في أهم الصحف اليومية توزيعًا، وهي: وول ستريت، ديلي نيوز، نيويورك تايمز.
ومن المؤسسات الإعلامية الخاضعة للسيطرة الصهيونية "شبكة فوكس" التي يمتلكها اليهودي روبرت موردوخ، وهو من أكبر ممولي الحركة الصهيونية في العالم، وشركة "كلير تشانل كومينيكشن"، ومؤسسة "هرست" الصهيونية، وهي من الشركات الأمريكية التي نبتت في تربة الصحافة الأمريكية.
ويعمل اللوبي على شراء مزيد من ناشري الكتب والمجلات، وكذلك فعلت الشركات العملاقة مثل: "سي بي إس/CBS" و"أي بي أم/IBM" التي لليهود سيطرة عليها.
كذلك الأمر بالنسبة لسيطرتهم على مجال السينما، إذ إنّ هيمنتهم واضحة على مدينة "هوليود"، ويعود ذلك إلى بدايات تأسيسها بحيث أقامها يهود مهاجرون من أوروبا الشرقية، خصوصًا المجر، وبولندا وروسيا، وأطلقوا عليها اسم "مصنع الحلم الأمريكي".
تسعى كل الجماعات الصهيونية إلى إلغاء فكرة "دولة فلسطينية"
وعندما تولى دونالد ترامب (الذي حصد نحو 80% من أصوات تيار المسيحية الصهيونية) الرئاسة، صعد بقوة جناح يميني، أكثر تطرفًا، على يمين "أيباك"، وهو المجلس الإسرائيلي الأمريكي "IAC". وفي عام 2017، بدأ الحديث عن "IAC" باعتباره بديلًا متشددًا لـ"أيباك". وقد كان صعود هذا اللوبي بعد أن تبناه وقدّم الدعم له الملياردير اليهودي الصهيوني شيلدون أديلسون، الذي أصبح لاعبًا أساسيًّا في صناعة القرار الأمريكي تجاه الإسرائيليين وفلسطين، وأعلنت "IAC" أنها لن تؤيد "حلّ الدولتين" أو مواصلة المساعدات للفلسطينيين، وسوف تتصدى لأي نقد لإسرائيل، وتؤيد الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ودعت إلى ضرورة نقل السفارة الأمريكية إليها، وهو ما قام به ترامب في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017. واللافت للانتباه أنه عندما افتُتحت السفارة، كان شيلدون أديلسون وزوجته مريم أديلسون - خريجة الجامعة العبرية في القدس - يجلسان في الصف الأول في حفل الافتتاح، في إشارة رمزية لمدى الدور الذي لعباه في الدفع لافتتاح السفارة.
وتسعى كل الجماعات الصهيونية إلى التأييد المطلق لإسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين وضرورة القضاء والتصدي لكل قوى المقاومة بلا استثناء والعمل على تهميش القضية الفلسطينية، بل إلغاء فكرة "دولة فلسطينية" من الأساس، والمطالبة بذلك علنًا في اجتماعات اللوبيات الإسرائيلية، وفي المقابلات والمقالات الصحفية والإعلامية المسموعة والمقروءة.
"طوفان الأقصى"
ويتضح نفوذ اللوبي الصهيوني في التحكم في دوائر صناعة القرار بعد "طوفان الأقصى" حيث اندفع الجميع لمؤازرة الكيان الإسرائيلي، فقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "إنّ الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل بكل قوتها". ووجّه إدارته بالدعم الكامل لها وبالتواصل مع دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية للوقوف بجانب إسرائيل، وأمر بإرسال مساعدات عسكرية طارئة لإسرائيل.
وقال بايدن مقولته المشهورة: "لا تحتاج أن تكون يهوديًّا لتكون صهيونيًّا"، وأضاف إليها مقولة أخرى "لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع إسرائيل".
حشد اللوبي كل طاقاته لمواجهة شعب غزّة، وجمع المفكرين لمناصرة إسرائيل، ومنهم فيلسوف الفضاء التواصلي يورجن هابرماس الذي أيَّد بكل قوة الحرب الغاشمة على قطاع غزّة، ووقّع هو ورفاقه في مدرسة "فراكفورت" على وثيقة دعم إسرائيل، والتأكيد أنّ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول هدفه "إبادة الحياة اليهودية وحقها في الحياة"، وأنّ من يعاديهم يعادي الإنسانية، وتجاهل المجازر التي ارتُكبت في حق الفلسطينيين دون أن يراجعه أحد من شرق ولا غرب.
هكذا "تداعى الأكلة إلى قصعتها".. فهل من حلول؟.
يتبع..
لقراءة الجزء الأول، الجزء الثاني
(خاص "عروبة 22")