صحافة

التهاون مع الفلول: كيف أدى للحرب؟

تاج السر عثمان بابو

المشاركة
التهاون مع الفلول: كيف أدى للحرب؟

وجد نشاط الفلول بقيادة الخارجين من السجون في الشرق استنكاراً واسعاً من الجماهير مع دعوات ومذكرات لإعادتهم للمحاكمات، وهذا امتداد للتهاون مع الفلول بعد الثورة وتمدد نشاطهم حتى أشعلوا الحرب اللعينة مع صنيعتهم "الدعم السريع"، في حرب كارثية استمرت لأكثر من 100 يوم، جرى فيها جرائم حرب وانتهاكات ضد المدنيين. 

بلغ عدد النازحين أكثر من 3 مليون داخل وخارج البلاد، ومقتل أكثر من 3900 شخص، وشملت الانتهاكات العاملين في مجال الإغاثة من قتل واعتقالات، ونهب ما لا يقل عن 50 مستودعاً للمساعدات الإنسانية وسلب 82 مكتباً حسب بيان الأمم المتحدة، إضافة لتأثر القطاع الصحي حيث توقفت حوالي 70% من المستشفيات بسبب القصف من الجيش والاحتلال من الدعم السريع، إضافة لخسائر مادية لا تقل عن 50 مليار دولار جراء الانفاق العسكري وتدمير البنيات التحتية والمواقع التاريخية والأثرية، فضلاً عن توقف 300 مصنع ومؤسسة إنتاجية تعرضت للدمار الشامل، ونهب مخازنها، مما زاد من شح السلع والعطالة وتشريد العاملين، وتعطيل الجامعات والمدارس، ونهب وحرق الأسواق والبنوك، وتعطيل محطات المياه والكهرباء مما أدى لعطش وظلام دامس في بعض الأحياء لفترات زمنية طويلة، فضلاً عن تدمير المباني جراء قصف الجيش واحتلال المساكن والمؤسسات الخدمية، ونهب العربات من الجنجويد، مما يتطلب وقف الحرب وتقديم المجرمين للمحاكمات، خروج الجيش والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وقيام الحكم المدني الديمقراطي.

الواقع أن التهاون مع الفلول بدأ من دعوة المصالحة أو التسوية أو المساومة التاريخية مع الإسلامويين التي وحدت استنكاراً واسعاً باعتبارها "خيانة للثورة"، "دعوة حق أريد بها باطل"… إلخ، فكيف ندعو للتسوية معهم وثورة ديسمبر لم تستكمل مهامها في تفكيك التمكين والمحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة، وتقديم المطلوبين في جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية إلى لاهاي والمحاكمة… إلخ.

لكنها في حقيقة الأمر دعوات تهدف لإيجاد مخرج لهم من المحاسبة واستعادة أموال الشعب المنهوبة، ولتكريس استمرار الفساد والديكتاتورية في الحياة السودانية، كما في رفض الإسلامويين بقيادة د. الترابي بعدم محاكمة قادة انقلاب 17 نوفمبر تحت شعار "عفا الله عما سلف" والذي أدى لاستمرار الحلقة الجهنمية الشريرة من الانقلابات العسكرية بعد فترات ديمقراطية قصيرة، كما تهدف لتنفيذ مخطط "الهبوط الناعم" لإعادة سياسات النظام البائد القمعية والاقتصادية والتفريط في السيادة الوطنية والحلول الجزئية التي تكّرس المحاصصات والفساد والنهب لأراضي وثروات البلاد، وتهدد وحدتها كما في تعدد جيوش الحركات الحالي بعد اتفاق جوبا، الذي يعيد إنتاج الحرب بشكل أعنف من الماضي.

المشترك في كل الداعين للمصالحة مع الإسلامويين أنهم كانوا واقفين ضد إسقاط نظام الإنقاذ قبل ثورة ديسمبر، ودعوا للحوار مع المؤتمر الوطني على أساس خريطة الطريق لامبيكي والمشاركة في انتخابات 2020 التي نتيجتها محسومة سلفاً بالتزوير لصالح البشير، واختطفوا الثورة بعد انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد الذي قطع الطريق أمام الثورة، وتحالف مع قوى الهبوط الناعم في قوى الحرية والتغيير حتى توقيع الوثيقة الدستورية المعيبة التي كرّست الجنجويد والحكم العسكري ومصالح الرأسمالية الطفيلية، وتهاونوا في تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية، والقصاص للشهداء في جريمة فض الاعتصام، وبقية الجرائم ضد الإنسانية.

أدى التهاون مع الفلول لتخريب الاقتصاد وإشعال الفتن القبلية في الشرق والغرب وجنوب كردفان… إلخ، ونسف خطوط السكة الحديد، وتخريب محطات الكهرباء والمياه، نسف الأمن وتهريب العملة والسلع وتجارة المخدرات والبشر والمضاربة في الأراضي، وتأخير تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، وتعطيل محكمة قادة انقلاب 30 يونيو 1989، وعرقلة إصلاح التعليم، وعدم هيكلة الشرطة والجيش والأمن وإصلاح النظام العدلي والقانوني وقيام المحكمة الدستورية ومجلسي القضاء العالي والنيابة، وعدم حل المليشيات من دعم سريع وجيوش الحركات ومليشيات الإسلامويين وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وعدم عودة شركات الجيش والأمن والدعم السريع والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات للدولة، وتغيير العملة، والتفريط في السيادة الوطنية كما في الارتباط بالأحلاف العسكرية (اليمن- الأفريكوم- الحلف العسكري مع مصر. إلخ)، وربط البلاد بمؤتمرات شاتم هاوس والمانحين وباريس وإدخال البلاد في الدول المثقلة بالديون "الهيبك" المدمر للاقتصاد بالمزيد من تنفيذ شروط الصندوق القاسية مقابل الوعد بالإعفاء من الديون، وقيام قواعد عسكرية لروسيا وأمريكا على البحر الأحمر، والتفريط في أراضي البلاد (حلايب، شلاتين، الفشقة إلخ)، حتى وصل الأمر للصفقة الإماراتية المعيبة حول الفشقة التي رفضتها جماهير شعبنا، استمر النشاط المعادي للثورة من الفلول حتى الاشتراك في انقلاب 25 أكتوبر 2021، وجاء في بيان الانقلاب نفس مطالب الفلول، والدعوة للانقلاب العسكري، واعتصام القصر المصنوع، وما جاء في دعوات التدخل الخارجي، بهدف قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي، وقيام نظام ديمقراطي يكون مؤثراً في المنطقة، وبهدف استمرار التبعية والخضوع لإملاءات الصندوق والبنك الدوليين ونهب موارد البلاد كما في مشروع ميناء "أبوعمامة" الذي وجد رفضاً واسعاً، مشروع الهواد الزراعي، وخط سكة حديد تشاد– أدري، والاستمرار في حلف اليمن وإرسال المرتزقة لها، والابقاء على اتفاقات إيجارات الأراضي التي تصل عقودها لمدة 99 عاماً، والاستمرار في احتلال مصر لحلايب وشلاتين، والتطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني إلخ.

لكن الانقلاب وجد مقاومةً باسلةً من شعبنا مما جعله يفشل حتى في تشكيل حكومة، وجاء الاتفاق الإطاري بتدخل خارجي، وما دار فيه من صراع حول مدة دمج الدعم السريع في الجيش، وكان القشة التي قصمت ظهر البعير، مما أدى لانفجار الحرب اللعينة الجارية التي أشعلها الفلول وصنيعتهم الدعم السريع.

("التغيير") السودانية

يتم التصفح الآن