وجهات نظر

جيك سوليفان.. "الثّعلب" الظّاهر الخفيّ

قد تبدو حالات الانقسام والانشغال بالحملات الانتخابية في أمريكا، سببًا في تراخيها الأخير في إدارة مفاوضات تبادل الأسرى أمام تَعَنُّت بنيامين نتنياهو الذي وضع شروطًا وعراقيل لهذا التفاوض. غير أنّ واقع الأمر يعود إلى النوايا الخفيّة لصنّاع القرار الرئيسيين الممثّلين في اللوبي اليهودي الصهيوني المتحكّم في الإدارة الأميركية والأوروبية.

جيك سوليفان..

من هذا اللوبي المُتنفذ يستقي نتانياهو قراراته ومواقفه فيما يخصّ عمليات التّفاوض. وهذا ما جعله يحظى باستضافة أمريكية لإلقاء خطاب أمام الكونغرس بمجلسيه في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الأخير، وهي المرّة الرّابعة التّي يحضر فيها الكونغرس ليكون الرئيس الأكثر استضافة بهذه الصّفة في تاريخ أمريكا. عبّر خلال هذا اللّقاء عن فكرة متعالية جامعة لتكون إشارة مرور إلى أنّ "أعداء إسرائيل هم أعداء أمريكا"، وأنّ "المعركة واحدة ومُوحّدة".

مواقفه لا تخرج عن تشدّده لعقيدته القائمة على العداء المبطّن والصّريح لكلّ ما هو عربي وإسلامي

من رموز هذا اللّوبي الأكثر حماسًة وظهورًا، مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان الذّي يُعدّ أقوى الشّخصيات تأثيرًا في السياسة الخارجية الأمريكية والأكثر إصرارًا على محاورة المناوئين للسياسية الإسرائيلية. نجح إلى حدّ ما في تهدئة اليسار الأميركي الرافض للسياسة الأميركية التّقليدية المؤيّدة لإسرائيل وحزب يسار الوسط، اللّذين لم يرحّبا بنتنياهو ووصفاه علنًا بالمجرم.

بَذَل سوليفان كلّ جهوده لتسويغ الإبادة الجماعية للغزّيين بمُبرّرات الدّفاع عن الأمن القومي والاستباق الصارم ضدّ توسّع رقعة الإرهاب الذي لا ينفكّ عن نعته بالعدوان الإسلامي. لا ننسى أنّ اتّصالاته الماراثونية برئيسة مجلس النّواب السّابقة نانسي بيلوسي التي أصدرت بيانًا أدانت فيه نتنياهو، وبنائبة الرّئيس كامالا هاريس التّي عبّرت أول الأمر عن امتعاضها من غطرسة نتنياهو، كانت كلّها تسويات سياسية داخلية تحمل ظاهريًا خطاب الأمن القومي ومصلحة أمريكا، وتخفي في العمق هوس الانتصار لليهودية المتطرّفة وتعاليها الديني والسّياسي.

إنّ مواقف جيك سوليفان، حتّى الأخيرة منها في توجيهه لمختلف عمليات التّفاوض بين "حماس" وإسرائيل، لا تخرج عن تشدّده لعقيدته اليهودية المتطرّفة القائمة على العداء المبطّن والصّريح لكلّ ما هو عربي وإسلامي. وهنا ينبغي ألاّ ننسى أنّه قبل حصوله على دكتوراه في القانون، قد حصل على ماستر في الفلسفة دافع فيها على الأطروحة اليهودية المتطرّفة باستناده المطلق إلى أفكار برنار لويس المنحولة. وظلّ شغوفًا بتمجيده لمواقفه الدّاعية إلى سحق المقاومة الفلسطينية، مذكّرًا في تصريحاته الأخيرة بعد "طوفان الأقصى" بصواب موقف برنار لويس الذي اعتبر انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد توقيع "معاهدة السّلام اللّبنانية – الإسرائيلية" سنة 1983 خطًأ فادحًا ستؤدّي إسرائيل ثمنه غاليًا.

العودة إلى سياسة الاغتيالات كانت من فكرة جيك سوليفان وبتنسيق تام مع نتنياهو ورئيس "الموساد" 

من هنا نفهم سعيه، عبر نتنياهو، إلى عرقلة كلّ جهود التفاوض بين "حماس" وإسرائيل والتّمسك بخيار الإبادة الجماعية للغزّيين. وهذا ما عبّر عنه مباشرة في لقاء المجموعة الاستشارية الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية في إسرائيل قادمًا من مدينة الدمّام في مايو/أيار الماضي، ليؤكّد على أنّ دحر "حماس" خيارٌ أمنيٌ تاريخيٌ رهينٌ بربط العمليات العسكرية بالإستراتيجية السياسية ذات المنظور القريب والبعيد التي تراهن عليها أمريكا وإسرائيل.

لم تخفِ مصادر مطّلعة حسب المجلة اليسارية الأمريكية "الأمّة"، أنّ العودة إلى سياسة الاغتيالات التّي طالت إسماعيل هنيّة وفؤاد شكر، كانت من فكرة جيك سوليفان وبتنسيق تام مع نتنياهو ورئيس "الموساد" ديفيد بارنيع.

هذا يعني أنّ دعم الوحشية ضدّ "حماس" وأهل قطاع غزّة، لم يعد يكتفي بأفعال مُؤَسَّسَة اللوبي اليهودي الإسرائيلي، وإنّما انتقل فجأة إلى الأفراد المؤثّرين من مختلف مواقع القرار الدولية دعمًا للرؤية الشّاملة لمؤسّسة اللوبي المتحرّك في كلّ الاتجاهات.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن