صحافة

الحلول الجزئية تعني المزيد من الحروب مستقبلا

ناصيف حتي

المشاركة
الحلول الجزئية تعني المزيد من الحروب مستقبلا

الأسئلة والتساؤلات ذاتها ما زالت مطروحة، عند جميع المعنيين من أطراف وقوى دولية وإقليمية فيما يتعلق بمسار التطورات والسيناريوهات المحتملة بعد أشهر عشر ونيف من حرب غزة التي تبدو أنها مفتوحة في الزمان، ولو أنها حتى الآن محاصرة نسبيا في المكان.

سيناريوهات تتراوح بين هدن متقطعة ووقف هش للقتال، وحرب استنزاف ممتدة أو الذهاب نحو حرب إقليمية واسعة ومفتوحة. وإذا كانت الأطراف الدولية المؤثرة وفي طليعتها الولايات المتحدة قادرة على لجم إسرائيل من استراتيجية توريط واشنطن وقوى أخرى في حرب إقليمية تبقى تداعياتها خطيرة ومجهولة سواء على أهل الإقليم أو على الأطراف الدولية ذات المصالح الحيوية في الإقليم، فإن الأطراف الدولية أو الأطراف الوسيطة بصيغ مختلفة من دور الوسيط غير قادرة على وقف الحروب الصغيرة في مساحتها، القائمة والمترابطة بأشكال مختلفة بين ساحاتها. الحروب التي تشهد تغييرا، أو إسقاطا تدريجيا للعديد من الخطوط الحمر في قواعد اللعبة التي كانت ناظمة لإدارة الصراع على الأرض قبل حرب غزة. واشنطن أعلنت بعد اجتماع الدوحة يومي الخميس والجمعة الماضيين عن بداية ردم الفجوات أو تضييقها.

نفحة التفاؤل هذه تراهن على نجاح الحراك الدبلوماسي الذي انطلق مباشرة غداة الدوحة ومع وصول وزير الخارجية الأمريكي إلى إسرائيل الأحد في عملية التحضير لاجتماع القاهرة هذا الأسبوع استكمالا لاجتماع الدوحة. هنالك رهان أمريكي على النجاح في دفع إسرائيل للتخلي عن شرطين لتكريس سيطرتها الأمنية والعسكرية الكلية على القطاع. الأول يتعلق بمعبر رفح ومحور فيلادلفيا للإمساك بالحدود الفلسطينية (غزة) المصرية والثاني بالسيطرة على ممر نتساريم، أو شطر غزة إلى قسمين: الأمر الذى يعني السيطرة على الانتقال بين شمال غزة وجنوبها. رهان يبقى من الصعب أو شبه المستحيل الدفع بحكومة نتنياهو للقبول به إذا لم تكن هنالك ضغوطات دولية فاعلة وأخرى على الأرض، تعزز كل منها الأخرى، تفرض على إسرائيل القبول بذلك. وبالطبع فإن هذه الشروط الإسرائيلية لا يمكن للقوى الفلسطينية وكذلك العربية المعنية، أو المنخرطة بأشكال مختلفة في التفاوض، القبول بها.

ما يبعد أيضا احتمال النجاح في التوصل إلى هدنة فعلية كخطوة أولى، التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية من خلال زيادة النشاط الاستيطاني لتقطيع أوصال الضفة الغربية وخلق ظروف ضاغطة وطاردة لأبنائها إلى جانب «سياسة» الاعتداءات المتكررة للمستوطنين على المواطنين الفلسطينيين لدفعهم للهجرة القسرية. ويأتي اقتحام باحات المسجد الأقصى الثلاثاء الماضي فى «ذكرى خراب الهيكل» كمؤشر آخر على استكمال سياسة التهويد للضفة الغربية. سياسة تهيئ دون شك لصدام كبير قادم يزيد من تعقيدات «سياسة الهدن» المطروحة، ويكشف هشاشة هذه الأخيرة. أضف أن إسرائيل تعتبر أن ملف «أمن شمال إسرائيل» منفصل كليا عن مسألة غزة، وأن التوصل إلى اتفاق فيما لو حصل ذلك حول غزة لا يعني القبول بالعودة إلى الوضع الذي كان قائما من قبل على الجبهة اللبنانية. فمقابل استراتيجية «وحدة الساحات» تنطلق إسرائيل من استراتيجية الفصل بين «الساحتين» الفلسطينية واللبنانية. صحيح أن التوصل إلى هدنة على الجبهة الفلسطينية، رغم صعوبة ذلك كما أشرنا، يساهم في تخفيض الصراع على الجبهة اللبنانية لكن لا يوقف الصراع حسب المفهوم الإسرائيلي. يطالب لبنان بالتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن ١٧٠١، ولكن الواقع على الأرض والمعطيات القائمة والناظمة للصراع تجعل من الصعب التطبيق الكلى لهذا القرار ضمن أفق زمني معقول. ما يمكن التوصل إليه فيما لو تم التوصل إلى هدنة مطولة تحت عنوان وقف إطلاق نار هش على جبهة غزة، تفاهم جديد غير مكتوب ينظمه ويضمنه «الطرف الثالث» لإدارة الوضع القائم الجديد، على الحدود الجنوبية للبنان، أسوة بما كان قائما من قبل.

حان الوقت تلافيا لإبقاء الصراع مفتوحا وعرضة لكل أنواع التصعيد ذات المخاطر المختلفة على الإقليم ككل أن تذهب القوى الدولية الفاعلة من خلال مجلس الأمن لفرض، نعم فرض، وقف شامل لإطلاق النار في الحرب الدائرة: الحرب المتشابكة جبهاتها والقابلة للتوسع عموديا، كما نشهد، وكذلك أفقيا، والقابلة للتوظيف في لعبة القوى في الإقليم والتي تحمل مخاطر جمة على الأمن والسلم الإقليميين. الوقف الشامل وغير المشروط لإطلاق النار شرط ضروري وغير كاف بالطبع إذ يفترض بعد ذلك التحرك الدولي الفاعل لإطلاق مسار السلام الشامل والدائم والمبني على القرارات الدولية المعنية والمعروفة وعلى حل الدولتين. أمر دونه الكثير من الصعاب ولكنه الوحيد إذا ما تم تحقيقه، يمكن أن يوفر الأمن والسلم والاستقرار في جغرافيا استراتيجية أساسية في المنطقة.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن