تواجه المنطقة العربية والشرق الأوسط مجموعة معقدة من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتتفاقم هذه التحديات بسبب النزاعات والتوترات الإقليمية والعالمية التي تهدد بإحداث المزيد من عدم الاستقرار العالمي. وبينما يمرّ العالم بمخاض أزمة ثقة عالمية، فإن المطلب الرئيس هو إيجاد فهم دقيق ومفصل لهذه القضايا قبل الدخول في معترك البحث عن الحلول الشاملة.
وتساهم الصراعات العالمية الدائرة اليوم، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، والصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن التوترات الإقليمية في آسيا - حول جزيرة تايوان، والصراعات بين باكستان والهند، والكوريتين، وإيران والمنطقة العربية - في تأجيج أزمة الاستقرار العالمي. فهذه الصراعات ليست بأحداث مُنعزلة بالنظر إلى تأثيراتها العالمية.
وعلى الرغم مما تتمتع به المنطقة العربية من وفرة الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والمعادن، إلا أن الواقع يثبت أنها ليست مُحصنة أمام هذه التحديات، مع استمرار مسلسل الاضطرابات السياسية والصراعات منذ الربيع العربي فى عام 2011 في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن والسودان.
وعلى الرغم من السيناريوهات القاتمة التي تصورها التقارير الدولية، إلا أن الدول العربية بإمكانها تجاوز العديد من التحديات بإعادة ضبط بوصلة التركيز الاستراتيجي. فمن الممكن إعادة تشكيل المسار الاقتصادي من خلال مجموعة من العوامل الحاسمة التي سنستعرضها في خطوط عريضة.
الأداء الاقتصادي: يعمل الأداء الاقتصادي كمؤشر أساسي للتقدم أو التراجع، وتبرز دول مثل الإمارات العربية المتحدة كدولة رائدة في العديد من المجالات، وأصبحت منافسة للعديد من الدول المتطورة، سواء في التنويع الاقتصادي أو صناعات المستقبل. كما قطعت المملكة العربية السعودية وقطر أشواطًا كبيرة في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على البترول والغاز. حلقة الوصل بين هذه الدول تكمن فى رؤاها المرتكزة على دعم تطوير ونضج مؤسساتها المالية والاقتصادية، والإصلاحات المؤسسية والتوظيف الأمثل للتكنولوجيا والاستثمار المستمر في رأس المال البشري.
النظام العالمي: تقدم ظاهرة العولمة فرصًا ومخاطر على حد سواء. فالتنمية العالمية السريعة والابتكارات من البلدان المتقدمة تأتي بآفاق جديدة للنمو. ويمكن أن يؤثر توفير رأس المال الدولي، والانفتاح الاقتصادي بشكل كبير على تطور الاقتصادات الوطنية والإقليمية. إلا أنه ومع ذلك، فإن العديد من الدول النامية تواجه العديد من التحديات لجذب رأس المال العالمي بسبب الضوابط التشريعية والمصرفية غير الكافية، والسياسات والخطط الوطنية غير المتكاملة، وافتقار المهارات الرقمية وضعف البيئات الوطنية والقطاعية لاستيعاب التكنولوجيا الحديثة.
الجدير بالإشارة أن صافي تدفقات الأموال في الدول النامية ارتفع من المستوى المتوسط الذي كان يقدر بـ10 مليارات دولار سنوياً، خلال سبعينيات القرن الماضى إلى أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في النصف الأول من التسعينيات، ثم ارتفع إلى 166 مليار دولار في عام 2021. وارتفعت صادرات الدول النامية 10% عام 2021 بعدما كانت لا تتعدى 5% قبل ذلك. ووفرت هذه التدفقات - خاصة في الدول التي شرعت بالتغييرات الهيكلية والإصلاحية - العديد من الفرص الاستثمارية والتطور التكنولوجي وزيادة الإنتاج، وتوفير فرص عمل وسرعة نمو الاقتصاد، وتوسيع التجارة الدولية.
ومما لا شك فيه أن المنطقة العربية سوف تستمر في المواجهة المباشرة مع التحديات الاقتصادية الكبيرة والمعقدة. وستبقى فعالية الحلول معتمدة على السياسات المدروسة، ومدى قدرتها على تخطي العقبات وتنمية اقتصاد أكثر تنوعًا وقدرة على الصمود. ولا بد لصانعي السياسات الالتزام باستراتيجيات تطلعية للاستفادة من الإمكانات الكبيرة للمنطقة، وضمان مستقبل مستقر ومزدهر لشعوبها.
("الوفد") المصرية