في إشارة واضحة إلى عائدات النفط، باعتبارها المعضلة الحقيقية، صارح رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أعضاء المجلس مؤخرًا بأنه بحكم تجاربه السابقة، لا يجد غير "تقسيم الثروة بين الأقاليم"، حلًا للأزمة في ليبيا ينهي حالة الاشتباك التي أرهقت البلاد والعباد.
وأغلق مجلس النواب، منفردًا، صفحة المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة المؤقتة، بعدما صوّت بالإجماع، على إنهاء ولاية السلطة التنفيذية التي جاءت بالمرحلة التمهيدية، واعتبر أنّ حكومة الاستقرار الموازية برئاسة أسامة حماد هي الحكومة الشرعية حتى اختيار حكومة موحّدة. وفي تفجير للخلافات، نزع مجلس النواب كل الصلاحيات من حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي، بما في ذلك منصب القائد الأعلى للجيش الذي بات لصالح.
النزاع مع القاهرة
جاء هذا الموقف، وسط تصاعد الخلافات بين القاهرة وحكومة الوحدة، التي طلبت من عضوين في البعثة الدبلوماسية المصرية بالعاصمة الليبية طرابلس، مغادرة البلاد خلال 72 ساعة، وسربت لوسائل إعلام محلية، قرارًا لا يكتفي فقط بكشف هويتهما، بل يظهرهما كغير مرغوب في بقائهما في ليبيا.
وبينما راهنت القاهرة على أنّ التفاهمات مع تركيا، ستمنحها الفرصة للعب دور أكثر محورية في الأزمة الليبية، صعّدت حكومة الوحدة من وتيرة النزاع مع السلطات المصرية التي التزمت الصمت حتى الآن.
بحسب مصادر دبلوماسية تحدثت لـ"عروبة 22"، فإنّ تصاعد هذه الخلافات هو محصلة طبيعية، لكون التفاهمات المصرية - التركية لم تتطرق إلى مستقبل السلطة التنفيذية في ليبيا، ومستقبل النفط هناك. وأشارت المصادر إلى أنه من الصعب على حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مناطحة القاهرة، "لكن ثمة اتفاقًا على أنّ هذا النزاع هو الجزء المرئي فقط، من نزاع أكبر حول تقاسم عائدات النفط بين شرق ليبيا وغربها".
ولفت مسؤول في حكومة حماد الموالية لمجلس النواب إلى أنّ الاتفاق المعمول به برعاية البعثة الأممية، ينص على تخصيص حصة 40% من عائدات النفط للشرق، على أن تتولى حكومة الدبيبة دفع مرتبات الجيش وموظفي السلطات المحلية من البقية، عبر آلية يقودها محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير.
القوة القاهرة
واضطرت مؤسسة النفط الحكومية إلى تخفيض جزئي للإنتاج، بسبب اعتصامات تجمع حراك فزان، من حقل الشرارة النفطي الذي ينتج 300 ألف برميل يوميًا، ويُعد أحد أكبر مناطق الإنتاج في البلاد. كما أعلنت المؤسسة توقف عمليات تصدير النفط الخام في ميناء الزاوية، تزامنًا مع إعلان "حالة القوة القاهرة"، لما وصفته بهذه الظروف الخارجة عن سيطرتها ولا يمكن منعها، علمًا بأنّ الحقل، الواقع في حوض مرزوق بجنوب شرق البلاد، وتديره مؤسسة النفط عبر ائتلاف يضم أربع شركات إسبانية وفرنسية ونمساوية ونرويجية، استُهدف سابقًا على نحو متكرر لأسباب سياسية متنوعة ومطالب محلية.
واعتبرت حكومة الدبيبة، إغلاق الحقل، جزءًا من محاولات جديدة للابتزاز السياسي، واستنكرت تعطيله كشريان اقتصادي مهم، يُمثّل حوالى 40% من إنتاج النفط في البلاد.
اتهامات وصمت
تحت صورة والده المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، اجتمع اللواء صدام، الذي يقود القوات البرية التابعة للجيش، مع آمري الكتائب والوحدات بمقرّه في مدينة بنغازي بشرق البلاد، لكنه لم يتطرق إلى اتهامات وجهت إليه شخصيًا بالتورط في إغلاق الحقل.
وصرّح ضابط في الجيش لـ"عروبة 22 " قائلًا: "الحقل إذا كان قد تعرّض فعلًا للإغلاق فقد تم ذلك بأمر من نجل حفتر، لأنه يخضع لسيطرة قوات الجيش منذ سنوات".
واتهمت وسائل إعلام محسوبة على تنظيم "الإخوان المسلمين"، صدام، بإغلاق الحقل، في محاولة للتأثير على مصالح شركة "ريبسول" الإسبانية، وهو اتهام كرره مفتي ليبيا المعزول من منصبه.
ووفقًا لرواية صحيفة "كرونكا غلوبل إسبانيول"، فقد حرّض صدام على إغلاق الحقل، بعد أن صادرت الشرطة الإسبانية معدات وأسلحة عسكرية كانت متجهة إلى الإمارات ثم إلى شرق ليبيا، وزعمت أنّ حفتر حصل على تراخيص لنقل البضائع والمواد التجارية من إسبانيا إلى الإمارات، ولكن الشرطة الإسبانية اكتشفت أنّ الشحنة تتكوّن من أسلحة ومعدات عسكرية.
مستقبل النفط في ظل الصراع
لا يزال إنتاج النفط، يهمين على الآفاق الاقتصادية لليبيا، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، الذي يتوقع أن يصل إلى 1,5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2026.
ورغم زيادة إيرادات المالية العامة بنسبة 16% في عام 2022، لا يزال الإنتاج أقل بكثير من مستوياته في ليبيا قبل الحرب، مما يدل على تأثير الصراع.
وبينما عائدات النفط مهددة، بعدما تحوّل من نعمة إلى نقمة في بلد يُعتبر أكبر مصدر للنفط في أفريقيا، ويعاني أزمات معيشية رغم أنه يعوم فوق بحر من النفط، تحوّل النفط عمليًا إلى ورقة ضغط سياسية ووقود للاقتتال بدلًا من مصدر للرفاهية، لسبب يرجعه وزير الدفاع الليبي الأسبق محمد البرغثي في حديثه لـ"عروبة 22" إلى طمع زعماء الميليشيات المسلّحة وابتزاز الحكومات المتتالية نتيجة السيطرة على مصادر إنتاج النفط وتسويقه، وسيطرتهم على محافظ مصرف ليبيا المركزي، بإعطائهم اعتمادات مالية للحصول على النقد الأجنبي، وفرض أوامرهم لتعيين أقربائهم في شركات الاستثمار الخارجية والسفارات الليبية بالخارج، بمرتبات تفوق بعشرة أضعاف مرتبات زملائهم في الداخل، وبالعملة الصعبة.
وبينما تدافع أمريكا عن بقاء محافظ المصرف المركزي، وتحذر من الإطاحة به، تبقى ليبيا في أتون فوضى سياسية يتخللها حديث متقطع من وقت لآخر بين الميلشيات المسلّحة، فيما لا يزال المشير حفتر يهدد باستخدام القوة مجددًا، وأن تكون لقواته "الكلمة الفصل عندما يعجز غيره عن معالجة الأمور العالقة التي تعيق بناء الدولة"!.
(خاص "عروبة 22")