وجهات نظر

لبنان "أندرغراوند".. يحبس أنفاسه!

يزداد الوضع في لبنان تعقيدًا وتشابكًا مع سيناريوهات الحرب المظلمة، وتزايد الصور والروايات عن "الأنفاق" والقصص المتعلقة بها، ما يُذكّر بفيلم "أندرغراوند" للمخرج الصربي أمير كوستاريكا، كرمز للغموض والتوتر.

لبنان

حياة اللبنانيين مليئة بالرمزية والسوريالية من حيث التعقيد، فهم فعلًا يعيشون في سلسلة من الأنفاق المادية والسياسية والاجتماعية، تُمثّل مكانًا ليس بعيدًا عن الواقع، حيث وَهْم الاستقرار والأمان، في ظل حرب ما تزال مستمرة بأشكال مختلفة منذ سبعينات القرن الماضي، فيما العالم فوقهم قد تغيّر، وحيث يشعرون بأنهم محاصرون في واقع غريب مع تراكمات أحداث أكبر من طاقتهم على التحمّل، وتجعل حياتهم اليومية أشبه بما يحدث في عالم تحت الأرض، وبوضع مغاير لحقيقة ما يريدون من حياة طبيعية.

المنشأة العسكرية المحصنّة التي كشف عنها "حزب الله"، واحدة من عشرات يتحرك فيها عناصره بلباسهم العسكري، وآليات ضخمة ومساحات مضاءة وأبواب حديدية تُفتح وتغلق على ما يُعتقد أنها منصّات لصواريخ باليستيّة، تبقي النظام الصهيوني في حالة قلق. لكنها عروض تأتي أولًا، كرمز للظروف الصعبة في غياب المخارج الأخرى، التي قد يلجأ إليها الناس هربًا من الحرب أو الفوضى، وفي الوقت نفسه ينفصلون عن الواقع في عالم من الملاهي والسهرات في مدى واسع من بؤس الرؤية حول ما يحدث.

بنيامين نتنياهو يأمل أن يؤدي فشل المفاوضات إلى تشجيع محور المقاومة على شن عمليات انتقامية

كل هذه العناصر تجعل اللبنانيين في تجربة فريدة مع ترابط الأوضاع الخارجية مع الواقع الداخلي المظلم، بطريقة تُذكّر بعالم تحت الأرض، وبفضاء آخر فوق الأرض من الفوضى (الدولاتيّة) والضغط النفسي، ما يزيد من شعور الناس بالتوتر والاختناق.

مع ذلك، يأتي "الفيلم الحربي"، لتعزيز مشاعر التعبئة وتشجيع الاندماج مع الأحداث، ودفع إسرائيل إلى تقليص احتمالات الخطأ في التقدير، فيضيف طابعًا دراميًا على الأوضاع فيما تنصرف أميركا إلى حشد وتحصين قواتها لردع أي هجوم يشنّه الحزب وإيران على الدولة العبرية.

أميركا التي لم تدخر أي جهد في التعبير عن دعمها المستمر لإسرائيل ومدّها بمساعدات عسكرية بمليارات الدولارات، تحاول مع القطريين والمصريين إقناع طرفي الصراع في غزّة لتبني خطة مفاوضات تنص في مرحلة أولى على وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع وإطلاق مجموعة من الرهائن (115)، ونحو ألف فلسطيني في السجون الإسرائيلية، فضلًا عن انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق المكتظة بالسكان في قطاع غزّة.

لم يُعرف إذا ما أتى عرض فيلم الأنفاق، لينقل كرة النار إلى طاولة المفاوضات، حيث تتوافر للحزب "أوراق" يمكن استخدامها بالتزامن مع زيارة مبعوث الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين إلى لبنان لنقل تحذيراته، مع رسائل أخرى نقلها الوزير المصري بدر عبد العاطي ونظيره الفرنسي ستيفان سيجورنيه، من خطورة اللعب على حافة الهاوية.

بنيامين نتنياهو يمارس الدور الأخطر، على أمل منه بأن يؤدي فشل المفاوضات إلى تشجيع محور المقاومة على شن عمليات انتقامية، وهو المشتبه برغبته مواصلة الحرب وتوسيعها ليُدخل لبنان في شكل من أشكال الحروب الطويلة التي تريدها النخبة السياسية الإسرائيلية الحاكمة وقد تؤدي إلى اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل بسبب تفوقها التكنولوجي والجوي.

اللبنانيون يعيشون في متاهة أنفاق طويلة مضيئة تحت الأرض ومظلمة فوقها

كذلك تُشكّل التطورات تحديًا كبيرًا لمسعود بيزشكيان، أول رئيس إصلاحي في إيران منذ عقدين، لا سيما أنه ركزّ حملته الانتخابية على التواصل بشكل أكبر مع الغرب، وإبرام صفقة تفتح باب المفاوضات على إمكانية الحصول على تنازلات في الملف النووي، وتخفيف العقوبات التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها على طهران، وهو كان وعد الإيرانيين الذين سئموا القيود الأخلاقية والركود الاقتصادي بمعالجة هاتين المشكلتين. غير أنّ إسرائيل تستعد في المقابل لمجموعة من السيناريوهات الإقليمية في مواجهة إيران، بما في ذلك السيناريو الذي يهاجم فيه حزب الله أولًا ردًا على اغتيال فؤاد شكر، فتعمد بالتالي إلى شنّ عملية عسكرية واسعة في لبنان.

بالتأكيد يملك "حزب الله" قوة تسمح له بالتصدي لأهداف إسرائيل، لكن الأكيد أيضًا أنّ اللبنانيين نتيجة لضغوط كثيرة، يعيشون في متاهة أنفاق طويلة، يصادف أنها مضيئة تحت الأرض ومظلمة فوقها!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن