يرتبط هذا القطاع بصناعات أمامية وخلفية من السفن والشباك وأدوات الصيد ومعدات وآلات التنظيف والتجهيز والحفظ والتعليب، بما يجعله محرّكًا مهمًا للنمو الاقتصادي ولخلق فرص العمل الدائمة باعتباره قطاعًا كثيف الاستخدام للعمالة، فضلًا عن إمكانية تحوّله لمصدر للنقد الأجنبي ولتحسين الموازين التجارية العربية.
يُعتبر الصيد الطبيعي في البحار والبحيرات والأنهار وروافدها وفروعها هو الأصل في قطاع الصيد، قبل ظهور وتطوّر الاستزراع الذي صار يقدّم غالبية الإنتاج ويتجه للهيمنة على هذا القطاع تدريجيًا. وهناك مناطق غنية بالأسماك أكثر من غيرها نتيجة تمتعها بوفرة في الغذاء الذي تعتمد عليه الأسماك.
التقاء التيارات وفوران القاع والتفوّق المغربي-العماني-الموريتاني
وتُعتبر مناطق التقاء التيارات البحرية الحارة والباردة، ومناطق فوران القاع الغنية بالعوالق والبلانكتون هي أغنى المناطق بالأسماك. وتحدث التيارات العمودية والأفقية التي تشكل نظام دوران المياه في المحيط بفعل الاحتكاك بالرياح والجاذبية واختلاف كثافة المياه وحرارتها في أجزاء مختلفة من المحيطات.
وتمتلك موريتانيا والمغرب في جرفيهما القاري ومنطقتيهما الاقتصادية البحرية واحدة من أفضل تلك المناطق الغنية بالأسماك نتيجة اصطدام تيار جزر الكناري المحيطي البارد، بالتيار الاستوائي الشمالي. كما تتمتع المنطقة الاقتصادية لعمان واليمن في البحر العربي والمحيط الهندي بمناطق فوران القاع الغنية بالأسماك.
الاستزراع السمكي دفع بالصين من المرتبة السادسة بين أهم المنتجين للأسماك في العالم إلى المرتبة الأولى بلا منازع
ووفقًا لبيانات المنظمة العربية للتنمية الزراعية أنتج قطاع الصيد الطبيعي في الوطن العربي نحو 4,31 مليون طن عام 2021. ويتصدّر المغرب البلدان العربية بإنتاج بلغ حجمه نحو 1,43 مليون طن، بما يوازي 33,2% من إجمالي الإنتاج العربي في العام المذكور.
ويحتل المغرب المركز 15 على العالم في إنتاج الأسماك الأحياء المائية من المصايد البحرية الطبيعية. ولأنّ مياهه غنية بالأسماك فإنه عقد اتفاقات متعاقبة مع الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من ثلاثة عقود تسمح للأوروبيين بالصيد في المياه المغربية في المحيط الأطلنطي، مقابل مبلغ يدفعه الاتحاد الأوروبي. والأفضل بالطبع هو أن يصيد المغرب أسماكه ويوسع صناعة التجهيز والتعليب لتصدير الفائض وخلق فرص العمل، بدلًا من الاتفاق مع الأوروبيين دون رقيب أو ضمان لالتزامهم بكمية وأحجام ونوعية الصيد في المياه المغربية التي يستنزفونها.
وأنتجت كل من عمان، وموريتانيا، ومصر، واليمن، وتونس، والجزائر، والسعودية بالترتيب نحو 922,1، 860,2، 425,8، 131,3، 124,2، 79,2، 67,5 ألف طن من المصايد الطبيعية، بما يعادل للدول المذكورة بالترتيب نحو 21,4%، 19,9%، 9,9%، 3%، 2,9%، 1,8%، 1,6% من إجمالي الإنتاج العربي عام 2021. أي أنّ أربع دول هي المغرب وعمان وموريتانيا ومصر تنتج نحو 84,4% من إجمالي الإنتاج العربي من المصائد الطبيعية.
الاستزراع السمكي.. هيمنة مصرية شبه مطلقة
أنتج الوطن العربي في مجمله عام 2021 نحو 1,77 مليون طن من الأسماك من المزارع السمكية، وأنتجت مصر وحدها نحو 1,58 مليون طن، بما يعادل نحو 89,2% من الإجمالي العربي. وأنتجت السعودية نحو 114,5 ألف طن، بما يعادل 6,5% من الإجمالي العربي، وأنتجت تونس نحو 26,1 ألف طن، بما يعادل نحو 1,5% من الإجمالي العربي. وأنتج العراق نحو 22,7 ألف طن، ما يعادل نحو 1,3% من الإجمالي العربي. ورغم ضخامة الإنتاج المصري من أسماك المزارع، إلا أنّ مصر تبقى مستوردًا كبيرًا للأسماك، حيث بلغت قيمة وارداتها منها عام 2021/2022 نحو 645 مليون دولار، بما يعني أنها بحاجة للتوسّع في الاستزراع البحري بالذات الذي تتوفر لديها فرص هائلة فيه نظرًا لطول شواطئها على البحرين الأحمر والمتوسط.
تجدر الإشارة إلى أنّ الاستزراع السمكي هو الذي دفع بالصين من المرتبة السادسة بين أهم المنتجين للأسماك في العالم، إلى المرتبة الأولى بلا منازع بحصة تبلغ 34,5% من إجمالي الإنتاج العالمي من الأسماك والأحياء المائية من الاستزراع والمصايد الطبيعية. والبالغ 185,4 مليون طن عام 2022. وتنتج مزارع الأسماك والأحياء المائية في الصين نحو 80,3% من إجمالي الإنتاج الصيني، بينما يقتصر إسهام المصايد الطبيعية على نحو 19,7% منه.
الفرص المهدرة لمضاعفة الإنتاج في الوطن العربي
إذا استثنينا المغرب وموريتانيا وعمان واليمن، فإنّ الشواطئ العربية لا تُعد من بين المناطق الغنية بالأسماك، وبالتالي فإنّ تطوير إنتاج باقي الدول العربية من الأسماك مرهون إما بالصيد الطبيعي في أعالي البحار، وهو أمر صعب حاليًا لاعتبارات مالية وفنية ولوجيستية، أو بتطوير قطاع الاستزراع السمكي لديها من خلال القطاع الخاص بكل أحجامه، والقطاع التعاوني، والقطاع العام وهي فرصة كبرى ما زالت مهدرة حتى الآن.
تمويل مراكز الأبحاث العلمية وربطها بقطاع الإنتاج يُعد أمرًا ضروريًا لتحديث هذا القطاع ورفع إنتاجيته وأرباحه
وتُعتبر دول مثل مصر والجزائر وتونس وسورية ولبنان وقطاع غزّة الفلسطيني والسعودية والصومال وجيبوتي وجزر القمر هي المرشحة للتوسع بشكل هائل في الاستزراع السمكي في البحار المفتوحة، بينما تُعد مصر والسودان وسورية والعراق ولبنان والمغرب والجزائر هي المرشحة للتوسع في الاستزراع السمكي في المياه الداخلية بناءً على الخبرات المتوفرة للدول العربية وخاصة مصر، فضلًا عن إمكانيات التعاون مع الشركات الصينية صاحبة الخبرة الأكبر عالميًا في هذا الشأن، على أن تتم تربية الأسماك والأحياء المائية الأعلى قيمة وسعرًا لضمان تحقيق أرباح جيدة تكفل الاستمرار والنمو والتطور لمشروعات الاستزراع السمكي. كما أنّ تمويل مراكز الأبحاث العلمية التي تعمل لتطوير هذا القطاع، وربطها بقطاع الإنتاج، يُعد أمرًا ضروريًا ومهمًا لضمان استمرار تطوير وتحديث هذا القطاع ورفع إنتاجيته وأرباحه الضامنة لاستمراره في المنافسة محليًا وعالميًا في سوق مفتوحة.
(خاص "عروبة 22")