تقدير موقف

التقنية الخلوية الذكية وقدرات "الجيل السادس"

بالرغم من أنّه لا يمكن حاليًا، لأيّ دولة أن تؤكد وجود "شبكة 6G الذكية تعمل بكامل طاقتها"؛ إلّا أنّه من المؤكد أنّ دولًا بعينها، في مقدّمتها الصين والولايات المتحدة، تقوم بشحذ جهودها المختلفة في تطوير هذه التكنولوجيا الثورية، وتخصّص مواردها بشكل حثيث للبحث والتطوير، بهدف توظيف إمكانيات الجيل السادس الخلوي في العديد من المجالات المدنية والعسكرية. من هذه الدول أيضًا؛ فنلندا وكوريا الجنوبية واليابان والهند وروسيا وسنغافورة وفيتنام.

التقنية الخلوية الذكية وقدرات

يمكن القول، بثقة، إنّ العالم اليوم دخل عصر الجيل السادس، الذي ستندمج فيه بسهولة عوالم الرقم (البت) والمادة (الذرة) والبشر (عقلًا وروحًا وخيالًا مبدعًا)، وتشير المصادر المختلفة، إلى أنّه ستكون هناك "تجارب جديدة كليًا، خارج الحواس"، حيث ستُدمج أنظمة المعرفة الذكية مثلًا مع القدرات الحسابية القوية. وتُغتنم إمكانية الجيل السادس في توفير السرعة الفائقة جدًا، لجعل الأعمال المختلفة أكثر كفاءةً، وربما إلى ما نهاية، كما يرى بعض الباحثين.

إنّنا بإزاء تغيير جوهري في طبيعة الحياة على كوكب الأرض، ذلك أنّ المسألة تتعلق بالتفوق التقني الذي ستقدمه هذه التكنولوجيا، وتحديدًا في السرعة، وزمن الوصول أو الكمون (latency)، أي التأخير: الزمن الذي تستغرقه البيانات للانتقال بين نقطتين على الشبكة. إذن، نحن نتحدث عن تخفيض أو تقليص الوقت بأقصى سرعة ممكنة، في تنزيل البيانات ونقلها ومعالجتها، والاستفادة منها، والحصول على الفرص التقنية الأقرب، والأكثر إتاحةً، في منظومات التشبيك الرقمي العالمية.

لذا، حين ظهرت لأول مرة تقنية الجيل الرابع (4G)، سنة 2010 في فنلندا، بسرعة إنترنت فائقة وذات نطاق عريض، تميّزت بزمن انتقال للبيانات بحدود 100 ميجابت في الثانية، في حين أنّ تقنية الجيل الأسبق (الثالث) سرعته فقط، حوالى 2 ميجابت في الثانية.

يُتوقع أن توفّر شبكة 6G لمستخدمي 5G سرعات عملية أعلى وزمن وصول أقل

ثم تقدمت بعدئذ التقنية الخلوية بنشر عمليات الجيل الخامس (5G) عام 2018 في الولايات المتحدة. وفي العام اللاحق 2019، انتشرت في العديد من الدول الأوروبية. وفي نهاية 2020، أُطلقت شبكات (5G) بشكل تجاري واسع في دول الاتحاد الأوروبي، بسرعة تصل تقديراتها النظرية القصوى إلى حوالى 20 جيجابت في الثانية، أسرع بنحو 200 مرة من 4G، على هذا التقدير، أمّا سرعتها الحقيقية فهي أقل من ذلك.

لكن الجيل السادس، والذي لم يزل قيد التطوير، فإنّه يقدّم فرقًا حقيقيًا في السرعة وزمن الوصول بينه وبين سلفه الجيل الخامس المنتشر حاليًا؛ حيث يُتوقع أن توفر شبكة 6G لمستخدمي 5G سرعات عملية أعلى وزمن وصول أقل. وقد حصلت بعض تجاربه على سرعة تصل إلى 100 جيجابت في الثانية، أسرع بنحو خمسة أضعاف من السرعة النظرية القصوى لشبكة 5G.

ومرة أخرى، كانت فنلندا هي الأولى في إطلاق برنامج 6G. ثم أعلنت الصين عن بداية مجموعتها البحثية حول 6G في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وتصدّرت المجال بجدارة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن "تحالف حلول صناعة الاتصالات" (ATIS)، أنّه سيعمل على تطوير الهاتف المحمول في أمريكا الشمالية، لأجل الريادة التكنولوجية في الجيل السادس وما بعده خلال العقد المقبل؛ مؤكدًا بأنّ شبكات 6G ستكون قادرة على استخدام ترددات أعلى من شبكات 5G، وستوفر سرعات أعلى، فضلًا عن زمن الوصول الأقل بكثير.

سيغيّر تفوّق 6G نظام إدارة ساحة المعركة وستكون القوات المسلّحة الجيل القادم من القوات الذكية

كذلك ستكون تقنية 6G معزّزة بالذكاء الاصطناعي، وتتصل بكم أكبر من الأجهزة لكل كيلومتر مربع، وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، نتيجة لإيقاف تشغيل المكونات التقنية، وتقليل السعة عندما يكون الطلب أقل. ما يعني أنّ كفاءة الطاقة ستكون مقياسًا رئيسيًا لتصميم شبكات الجيل السادس، ومقاييس أخرى، مثل: سعة البيانات في معالجتها ونقلها وخزنها واسترجاعها، ومعدل الذروة للبيانات (ازدحام الشبكة)، فضلًا عن معايير زمن الوصول، والموثوقية وأمان المعلومات.

أمنيًا، وعسكريًا، ستتجاوز تقنية 6G الفوائد المشار إليها، في سرعة نقل البيانات وزمن الوصول المنخفض وعرض النطاق الأوسع. وسيصبح الأمر يتعلق بتعزيز جمع المعلومات الاستخباراتية والعسكرية، واستخدامها في أزمنة قياسية، وإتاحة بيئة أقرب لتصور العمليات القتالية، وتقديم الدعم اللوجستي الدقيق، خصوصًا مع تفعيل برمجيات المعرفة الآلية المتخصصة، وأبنية الذكاء الاصطناعي الأصلي، وأجهزة الاستشعار. ويمكن لتقنية 6G أيضًا أنّ تحسّن بشكل كبير تدريب الطيارين المقاتلين، ممّا يوفر سيناريوهات أكثر واقعية وغير متوقعة.

وسيغيّر تفوّق 6G نظام إدارة ساحة المعركة، وسيصبح جندي المشاة المستقبلي نظامًا (system)، ما يسمح بالتواصل مع المواقع، والأسلحة، والقدرات المتنوعة. أي أنّ القوات المسلّحة ستكون الجيل القادم من القوات الذكية. ويذكر في هذا الصدد، أنّ الولايات المتحدة والصين تسعيان بالفعل إلى التفوّق العسكري في مجال الجيل السادس، وتكنولوجيا التدريب الأكثر تطورًا، والواقع المعزّز الأكثر ذكاءً.

على الدول التي سوف تستخدم شبكة 6G تحمّل تكاليف البنية التحتية الباهظة لنشرها والاستعداد الأمني لها

كما تشير بعض المصادر، إلى أنّه في ظل الصراع التكنولوجي المحتدم بين الولايات المتحدة والصين، اختارت إسرائيل الاستفادة من التطوير الأميركي في هذا المجال، وبالأخص في ملاءمته لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الدقة عند إطلاق صواريخ أرض-أرض قصيرة المدى، إلى مقلاع داود الذي يعترض المدى القصير إلى المتوسط، ومن المتوسط إلى الطويل، وغير ذلك.

أمّا بشأن إطلاق شبكة 6G، تجاريًا، فيُتوقع ذلك عام 2030 تقريبًا. وعلى الدول التي سوف تستخدمها تحمّل تكاليف البنية التحتية الباهظة لنشرها، والاستعداد الأمني المناسب لها. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن