قضايا العرب

حلم "كليات القمّة" يتبدّد: طلاب مصر يبحثون عن بدائل "الخارج"!

القاهرة - تامر هنداوي

المشاركة

لم يتخيّل أحمد سعيد أن يتأثّر تعليم نجله بالصراعات التي اشتعلت في العالم خلال العامين الأخيرين، فبعد أن خطّط، لإلحاق ابنه حسام بإحدى جامعات أوكرانيا أو السودان لدراسة الطب البشري، اضطرّ لتغيير خططه بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والصراع الذي تشهده الجارة الجنوبية.

مجموع درجات الابن حسام في امتحانات الشهادة الثانوية، لا تمكنه من الالتحاق بكلية الطب البشري في الجامعات الحكومية المصرية التي طالما حلم بالانضمام إلى صفوف طلابها، كما أنّ المستجدات الاقتصادية الصعبة تحول بينه وبين الدراسة بالجامعات الخاصة التي تضاعفت مصروفاتها.

حلم

يضع نظام التنسيق الجامعي في مصر، حدَا أدنى لكل كلية على الطالب اجتيازه للانضمام لصفوفها، وتقع الكليات التي تُعرف بـ"كليات القمة"، مثل الطب البشري والصيدلة والهندسة في أعلى هرم التنسيق الجامعي.

جامعات قرغيزستان وتركيا على قائمة الوجهات التعليمية الجديدة للمصريين

في مثل هذا التوقيت من كل عام، تنتشر إعلانات وكالات ومكاتب متخصصة في إلحاق الطلاب المصريين بالجامعات الخارجية. استثنت هذه الوكالات، الجامعات الأوكرانية والسودانية التي تصدّرت المشهد في السنوات السابقة كإحدى وجهات السفر الأهمّ للطلاب، لتتضمّن الإعلانات دولًا أخرى مثل تركيا وقرغيزستان إضافةً إلى روسيا التي احتفظت بمكانتها في الإعلانات رغم الحرب المشتعلة بينها وبين جارتها الغربية.

مدير إحدى وكالات إلحاق طلاب الثانوية العامة بالجامعات في الخارج والذي يقع في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، استعرض في حديثه مع "عروبة 22" مزايا الدراسة في قرغيزستان إحدى دول آسيا الوسطى، قائلًا: "الالتحاق بإحدى جامعات قرغيزستان يُعدّ الأرخص من حيث التكاليف بين الوجهات المتعددة التي يمكن للطلاب الالتحاق بها، فدراسة الطب البشري تُكلّف سنويًا نحو 4 آلاف دولار، ما يعادل 120 ألف جنيه مصري، فيما تُكلّف دارسة الهندسة 2500 دولار سنويًا، ما يعادل 75 ألف جنيه مصري". 

لا تتوقف التكلفة عند هذا الحد، فبحسب مسؤول وكالة السفريات، تُكلّف إقامة الطالب شهريًا نحو 300 دولار، أي ما يزيد عن 9000 جنيه مصري.

ارتفعت تكلفة الدراسة في الخارج إلى الضعف هذا العام بعد انخفاض قيمة الجنيه أكثر من 50% أمام الدولار

تركيا كانت إحدى الدول التي انتشرت إعلانات تدعو الطلاب للالتحاق بجامعاتها، وبحسب الإعلان، تُكلّف الدراسة في جامعتها حسب نوعية الإقامة، فتراوحت بين 10 آلاف دولار سنويًا حال الإقامة في غرفة منفردة، و3500 دولار إذا كانت الإقامة في غرفة رفقة 3 أشخاص.

"كلما انخفض المجموع الذي حصل عليه الطالب في الثانوية العامة، سيُضطرّ للالتحاق بكلية حديثة النشأة لكن معترف بها، وهي أقل تكلفة من الجامعات"، يضيف الإعلان.

لم يفارق ذهن سعيد الذي يعمل محاسبًا في إحدى الشركات الخاصة، مشاهد استغاثة الطلاب المصريين في أوكرانيا والسودان، ولا مشاهد عودتهم ومحاولتهم الإلتحاق بالجامعات المصرية، لكن في الوقت نفسه، لم تثنه هذه المشاهد عن محاولة إلحاق ابنه بإحدى الجامعات في الخارج لاستكمال دراسته.

ارتفعت تكلفة الدراسة في الخارج هذا العام بالنسبة للطلاب المصريين بعد انخفاض قيمة العملة المحلية أكثر من 50% أمام الدولار، وذلك بعد تراجع قيمة الجنيه عدة مرات منذ مارس/آذار 2022، لترتفع بالمقابل تكلفة الدراسة في الخارج إلى الضعف.

أزمة نقص العملة الأجنبية، وانخفاض قيمة الجنيه التي أدت إلى موجات متتالية في معدلات التضخم، تمثل العائق الأكبر أمام سعيد لتحقيق حلم نجله.

يقول سعيد إنّ سفر ابنه لاستكمال الدراسة في الخارج في ظل هذه الظروف بات أمرا صعبا "ربما لن نتمكن من توفير تكاليفه".

عقبة مصروفات الجامعات الخاصة

توزيع خريجي الثانوية العامة في مصر لم يعد قاصرًا، كما كان الأمر في الماضي، على الجامعات الحكومية، فالأمر برمته اختلف خلال السنوات العشر الأخيرة بعد التوسّع في منح تراخيص للقطاع الخاص لإنشاء جامعات تسمح بقبول طلاب تحصلوا على درجات أقلّ في الثانوية العامة مقارنةً بالجامعات الحكومية.

المصروفات التي تفرضها الجامعات الخاصة، أكبر من قدرة الطلاب الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة من الالتحاق بها، إذ ينافس بعضها، في التكلفة، الجامعات الأجنبية التي لها فروع في مصر.

وصلت نسبة الأماكن الشاغرة في معظم كليات الجامعات الخاصة إلى 40% 

وبلغ الحد الأدنى للقبول بالجامعات المصرية الخاصة العام الماضي 85% للطب البشري، و82% لطب الأسنان، و80% للعلاج الطبيعي والصيدلة، و75% للطب البيطري، و70% للهندسة، و65% لعلوم الحاسب، و55% للتربية والزراعة والسياحة والآداب والحقوق والآثار والتمريض. وهو أقلّ عن تنسيق الجامعات الحكومية بنسبة تتراوح بين 5% و 8%.

وشهدت الجامعات الخاصة المصرية، انخفاضًا كبيرًا في إقبال الطلاب العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي دفعت الكثير من المصريين إلى إعادة النظر في طريقة إدارة أحوالهم المعيشية، ووصلت نسبة الأماكن الشاغرة في معظم الكليات إلى 40% وهي نسبة غريبة على الجامعات الخاصة التي كان الالتحاق بها يحتاج إلى حجز يسبق ظهور النتيجة.

أزمة الاعتراف النقابي

توفير المصروفات ليس العقبة الوحيدة أمام الطالب الذي لم يؤهله مجموعه للالتحاق بالتخصص الذي يسعى إليه، فالشروط التي وضعتها النقابات المهنية لمنح تراخيص مزاولة المهنة عقبة أخرى، إذ يمكن للطالب أن يحصل على شهادة جامعية في وقت يرفض فيه بعض النقابات المعنية الاعتراف بتلك الشهادة.

النقابة العامة لأطباء مصر، أصدرت قرارات لتنظيم اشتراطات قيد خريجي كليات الطب بها، سواء خارج مصر أو من كليات الطب الخاصة داخل مصر.

وذكرت النقابة أنه بالنسبة لقواعد قيد خريجي كليات الطب الأجنبية بالنقابة، فهي تتمثل في اشتراط دراسة مواد الأحياء والكيمياء والفيزياء كمواد مؤهلة لدراسة الطب، وتقديم شهادة الثانوية العامة (قسم علمي) أو شهادة توضح دراسة هذه المواد عند طلب القيد بالنقابة، وعدم زيادة الفرق بمجموع الثانوية العامة على 5% عن الحد الأدنى للقبول بكليات الطب الحكومية المصرية في سنة الحصول على الثانوية العامة نفسها، ويطبّق هذا البند على دفعة الثانوية العامة 2020 وما بعدها.

وبالنسبة لجميع الحاصلين على بكالوريوس الطب من خارج مصر، اشترطت النقابة لقيدهم إحضار إفادة من الدولة المانحة لشهادة البكالوريوس تُفيد بأنّ حامل هذه الشهادة يُسمح له بمزاولة المهنة في البلدان المانحة.

أما بالنسبة لخريجي كليات الطب الخاصة في مصر، فاشترط مجلس النقابة لقيد خريجي هذه الكليات، والتي لم تبدأ بها الدراسة، ضرورة أن تستكمل الكلية جميع اشتراطات الإنشاء والدراسة وأن تمتلك مستشفى بعدد أسِرّة مناسب لتدريب الطلاب، وإلا فلن يتم قيد خريجيها بالنقابة.

لم تختلف الاشتراطات كثيرًا بالنسبة لنقابة الصيادلة، حيث أعلنت النقابة أنها لن تقبل أي خريج حاصل على بكالوريوس الصيدلة من الجامعات المصرية الحكومية أو الخاصة المعتمدة أو الجامعات الخارجية إلا إذا كانت معتمدة من المجلس الأعلى للجامعات المصرية، وألا يقلّ مجموع الطالب في الثانوية العامة عن نسبة 5% عن مجموع كلية الصيدلة الحكومية في هذا العام.

اضطرت أُسَر الطبقة الوسطى إلى إعادة النظر في خطط المستقبل الدراسية لأبنائها

خلاصة المشهد، أنّ الأُسَر المصرية، خاصة تلك التي تنتمي للطبقة الوسطى، تظنّ أنها نجحت في اجتياز مهمة "الثانوية العامة"، التي تعتبرها عنق الزجاجة في مستقبل أبنائها، لتجد نفسها في مواجهة أصعب تتعلق بإلحاق هؤلاء الأبناء بإحدى "كليات القمة" بعد أن حالت درجة أو اثنتين بينهم وبين تلك الكليات التي قضوا أعمارهم يحلمون بالالتحاق بها حتى يضمنون الأمان الوظيفي، وفي ظلّ ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة واشتعال الصراعات في الدول التي كانت تستقبل جامعاتها الطلاب بأسعار مقبولة، اضطرت هذه الأُسَر في نهاية المطاف إلى إعادة النظر في خطط المستقبل الدراسية لأبنائها. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن