كل الشواهد تؤكد أن القضية الفلسطينية تمثل عصب السلام والاستقرار في الإقليم والعالم. كل التفاعلات الدبلوماسية والسياسية في المنطقة تبدأ وتنتهي عند القضية الفلسطينية. الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مضى عليها نحو عام، لم يعد قاموس الماضي يصلح لمستقبل المنطقة، ولم تعد مسارات المماطلة الإسرائيلية حول حل الدولتين تتناسب مع حجم الكارثة التي نعايشها في الشرق الأوسط على مدى عقود.
على مدار عام مضى شهدنا تجاذبات وصراعات وحسابات على المسرح الدولي، تزامنت مع مشاهد دامية من دمار المنازل والمستشفيات والمدارس والمخيمات، وكل مناحي الحياة.
عام مضى على هذه الحرب، لا يشبه أيام الحروب التي عاصرناها منذ قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948، أيام هذا العام، صاغت لنا خرائط جديدة في مفهوم المصالح والتحالفات السياسية على المسرح الدولي، وأعادت تقديم نسق معرفي جديد للقضية الفلسطينية، ولوضعية إسرائيل في المنطقة والعالم.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ورغم الحرب الإسرائيلية الضارية، فلم يستطع أحد أن يحجب الحقيقة المطلقة بوجود شعب فلسطيني، له الحق في إقامة دولة مستقلة، ولها سيادتها الواجبة والضرورية، وفقاً للقرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة، ففيما كانت المدافع والصواريخ والطائرات الإسرائيلية تدك مقدرات الشعب الفلسطيني، كانت هناك مظاهرات وتنديدات عارمة وغاضبة، في كل عواصم ومدن العالم وجامعاته ومؤسساته تعترض على الجرائم الوحشية والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.
فضلاً عن أن القضية الفلسطينية كشفت عن وهن وضعف المؤسسات الدولية المتمثلة في مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحاكم الدولية، التي لم تستطع جميعاً إيقاف هذه المجزرة أو معاقبة إسرائيل طبقاً للبند السابع من ميثاق الأم المتحدة، الأمر الذي يدفع بقوة إلى أهمية وضرورة إعادة النظر في إصلاح هذا النظام الدولي الذي بات متهالكاً.
كما دونت مفكرة العام الماضي على الحرب أن الشعب الفلسطيني هو آخر شعوب العالم الواقعة تحت الاحتلال، وأنه حان الوقت لشطب فكرة الاحتلال من الخرائط العالمية، ومنح الشعب الفلسطيني حقه الكامل في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967.
لو تأملنا عمق الأيام الماضية القاسية، لتوقفنا أمام عناوين كبرى لمعنى ومفهوم الصمود والثبات الأسطوري، فلا شك أن هذه الأيام أزالت مفاهيم كانت قد استقرت في أذهان الاحتلال الإسرائيلي والتي تتعلق بمخططات تصفية القضية الفلسطينية، والتهجير القسري للسكان الفلسطينيين من أراضيهم الأصلية، لكن إرادة وعزيمة هذه الأمة حالتا دون تنفيذ هذه المخططات، وأكدت عدالة القضية الفلسطينية، وأنه لا يمكن أن يحدث استقرار في الشرق الأوسط والعالم من دون تطبيق حل الدولتين.
إن الحرب تقترب من إغلاق صفحات سوداء لعام مضى، لكن أياماً قادمة أخرى تحمل لنا علامات استفهام، تبحث لها عن إجابات وسط دخان كثيف، وقلاقل، واهتزازات، ومخاوف من اتساع رقعة الحرب، لاسيما تلك الإشارات التي تأتي من إسرائيل للهجوم الشامل على الجنوب اللبناني، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، والمخاوف الأخرى التي تتعلق باتساع تشابك قوى إقليمية تصطدم على أراضٍ عربية، وهو ما يقتضي - خلال الأيام المقبلة - القيام بعدد من الإجراءات العاجلة على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، في مقدمة هذه الإجراءات ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ودخول المساعدات الإنسانية بكميات كافية، والتوصل إلى مسار سياسي يضمن حلولاً عادلة وحقيقية للقضية الفلسطينية، ثم الانطلاق نحو إعادة إعمار قطاع غزة، ومنع تمدد واتساع الحرب إلى أماكن أخرى، وهذا يتطلب موقفاً قاطعاً وحاسماً من قبل المجتمع الدولي، لمنع انتشار النيران قبل أن تحترق الخرائط.
(البيان الإماراتية)