نكبة غزة

يدرك قادة الصهاينة أن تصفية قطاع غزة بتهجير سكانه باتت أولوية قصوى لمسلسل تصفية القضية الفلسطينية التي تفجرت عام 1948م، بنظرة واقعية، فصمود وثبات أبطال غزة ومجاهدي حركة "حماس" لن يتحمل المزيد من ضغوط المعاناة اليومية لآلة الحرب الإسرائيلية التي تحصد وتتوعد بالمزيد من المجازر غير المسبوقة في التاريخ المعاصر.

جولات المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية عقيمة، لم يكن الهدف الصهيوني منها سوى تبديد الوقت لممارسة المزيد من الفظائع على أطفال غزة وحرائرها، ودون أية بوادر دولية بالمحاسبة أو فرض عقوبات، علاوة على الصمت المطبق والمخزي للأنظمة العربية. غالبية الشعوب العربية تتابع أحداث غزة وكأنها تتفرج على مسلسل حربي بانتظار حلقته الأخيرة، في حين المشروع الصهيوني للاستيطان الشامل لأرض فلسطين ومن ضمنها الضفة الغربية وغزة لا يقابله أي مشروع عربي حالم بالتصدي له وإحباطه، وكأن الشعب الفلسطيني لا ينتمي لأرض العروبة وحمى الإسلام.

تكمن أهمية القضية الفلسطينية كونها معياراً لصولة الحق مع الباطل، وميزاناً لفاعلية منظومة القانون الدولي بين التطبيق العادل والمثالية الزائفة، بافتراض هزيمة أو انحسار حركة حماس وانطفاء شعلة المقاومة الشعبية الفلسطينية ستطفو نكبة أخرى أشد قساوةً وهواناً من نكبة عام 1948م، وسنسترجع ذكرى ثورة عام 1936م عندما انفرد المحتل الإنكليزي والصهيوني بالقتل والتنكيل بأبناء الثورة المجيدة دون أي تدخل أو دعم من الدول العربية المجاورة لفلسطين، مما مهد الطريق لسفاحي الصهاينة تالياً بالشروع بمجازر الإبادة العرقية والتهجير القسري لما يربو على 750 ألف فلسطيني مروعين بأصناف جرائم القتل والعقاب الجماعي والاغتصاب.

قضية فلسطين ترتبط بشكل وثيق بقضية الوعي والثقافة، الوعي لطبيعة الصراع العالمي بين أقطاب القوى الرأسمالية ممثلة بالشركات واللوبيات والأنظمة الداعمة والمؤيدة لها لبلورة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لفرض الهيمنة وتبعاتها على الشعوب الخاضعة، وبين أقطاب القوى الاشتراكية الثائرة الرافضة لهذه الهيمنة الرأسمالية المتوحشة، الاشتراكية الداعية إلى تحقيق العدالة وتطبيق القوانين الدولية وإنجاز السلام العالمي ووقف تدهور الإنسانية إلى وحل الصراعات المذهبية والعرقية، ونشر الثقافة العالمية المؤكدة لحق الشعوب بقرير مصيرها، وتوفير سبل العيش والكرامة للشعوب عوضاً عن قمعها وتجهيلها ونهب ثرواتها وتسلم زمام الحكم الديموقراطي الحقيقي.

(الجريدة الكويتية)

يتم التصفح الآن