تتكثفُ الإتصالات والمساعي الدوليّة والعربيّة بينما تتصاعد حدة العمليات العسكرية الإسرائيليّة في الداخل اللبناني وتتجلى بشن هجمات وغارات عنيفة ومكثفة على محافظات البقاع والجنوب والنبطية وبعلبك واستمرار استهداف الشخصيات القيادية في "حزب الله"، حيث نفذ الاحتلال رابع عملية له في الضاحية الجنوبية لبيروت خلال أسبوع واحد، وأسفرت عن مقتل قائد الوحدة الجويّة محمد سرور الذي توفي متأثراً بجراحه.
وفي حين تحدثت المعلومات الإعلامية عن الأدوار الميدانية الهامة التي لعبها سرور في سوريا واليمن، أدخلت إسرائيل سلاحاً "نوعياً" جديداً على عمليات الإغتيال، سبق وقامت بإستخدامه في قطاع غزّة، وتمثّل بإستهداف سيارة على طريق الكحالة وأدت الى إصابة العنصر في الحزب علي حمود بإصابات بليغة. هذه التطورات الميدانية تؤكد مضي تل أبيب قدماً بتنفيذ مخططها الرامي إلى إضعاف "حزب الله" وتدمير قدراته البشرية والعسكرية على حد سواء.
وإذ ركزت الصحف العربية الصادرة اليوم على الجهود الحثيثية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والتي تواكب الحركة الفرنسية المكوكية بالتوافق مع دول أوروبية وعربية لوقف التصعيد في لبنان ومنع إنزلاق المنطقة برمتها الى حرب شاملة. سلطت الضوء على تراجع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في اللحظات الأخيرة وتحت ضغط "داخلي" عن مبادرة وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً، التي ساهم هو ( أي نتنياهو) وفريقه بصياغة بنودها.
ومع تعديل موعد كلمة نتنياهو في الجمعيّة العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك الى اليوم، الجمعة، بدلاً من أمس على وقع تأكيد البيت الأبيض إستمرار المحادثات بشأن اقتراح وقف إطلاق النار بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين "لعدم إيمانهم بحرب شاملة وأهمية إفساح المجال أمام الدبلوماسيّة".
وفيما نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين أميركيين أن نتنياهو والمقربين منه شاركوا بشكل مباشر في صياغة اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت. أشارت صحيفة "هآرتس" الى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تراجع عن الموافقة على اقتراح الهدنة الأميركي بعد انتقادات داخل حكومته. وذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن الإدارة الأميركية شعرت "بالصدمة والخيبة" من تراجع نتنياهو عن "التفاهمات الصامتة" التي جرى الإتفاق عليها مسبقاً.
بالتزامن، حذّر وزير الدفاع الاميركي لويد أوستن من خطر اندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل قد تكون "مدمرة" لكلا البلدين. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فجدد التأكيد على معارضة بلاده بـ"أن يصبح لبنان غزّة جديدة"، مطالباً إسرائيل بوقف هجماتها و"حزب الله" بالتوقف عن الرد.
وفي التطورات الميدانية، سقط 92 شخصاً وأصيب 153 آخرون في اليوم الرابع من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بحسب آخر تحديث لوزارة الصحة اللبنانية. وشهدت محافظات البقاع وبعلبك والنبطية أعنف موجة من الغارات. وكانت لجنة الطوارىء الحكوميّة أحصت أكثر من 115 اعتداءً إسرائيلياً ما أدى إلى المزيد من حركة النزوح. وقُدر عدد النازحين بـ77,100 توزعوا على 565 مركزاً للإيواء. في وقت أشار الأمن العام إلى عبور 16,130 لبنانياً و15,600 سوري إلى الأراضي السوريّة خلال اليومين الماضيين.
وجدد "حزب الله" استهداف مواقع ومراكز عسكرية إسرائيليّة في منطقة عكا والصفد وحيفا. وبلغ عدد المقذوفات نحو 150 صاروخاً. وتتهم إسرائيل الحزب بإطلاق ما يعادل 9300 صاروخ عليها منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، مما أدى لنزوح أكثر من 60 ألف إسرائيلي من منازلهم. وبات من المعلوم أن الحزب يربطُ مصير عودتهم بوقف العدوان على قطاع غزة ضمن إطار ما يسميه "وحدة الساحات".
وفجر اليوم، أعلن الجيش الإسرائيلي التصدي لصاروخ أطلق من اليمن. وقد دوّت صفارات الإنذار في مناطق واسعة ما أدى إلى إصابة 18 شخصاً جراء التدافع أثناء توجههم إلى الأماكن المحصنة. واتهم المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ موسكو بنقل الأسلحة إلى الحوثيين و"إبرام صفقاتها الخاصة" للسماح لسفنها بالمرور دون أن تتعرض لأذى.
وعلى وقع التهديد الإسرائيلي اليومي بشنّ عملية برية في لبنان، أنهت قوات اللواء المدرع السابع تدريبًا يحاكي هجومًا بريًا، وذلك على بعد عدة كيلومترات من الحدود اللبنانية. في المقابل، تستمر واشنطن في دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً، حيث تم الإعلان عن حزمة مساعدات جديدة بقيمة 8.7 مليارات دولار لدعم جهود إسرائيل العسكرية الحالية والحفاظ على تفوقها في المنطقة.
وبالرغم من تحول الأنظار إلى الساحة اللبنانيّة، إلا أن الوحشية الإسرائيليّة لم تتوقف في قطاع غزّة الذي شهد مجزرة مروعة بحق النازحين في مخيم جباليا أسفرت عن سقوط العشرات. وأعلن المكتب الاعلامي الحكومي في القطاع عن مقتل 1133 فلسطينياً خلال استهداف 183 مركزاً للنزوح من بينها 163 تؤوي نازحين بداخلها.
وفي أحدث دراسة، أكد البنك الدولي أن كل سكان غزة يعانون من الفقر المدقع مع بلوغ نسبته 100%، مشيراً إلى أن التضخم تجاوز 250%، بسبب استمرار تبعات الحرب منذ نحو عام دون أن يلوح في الأفق أي حلول سياسية.
ونرصد ضمن جولة الصحف العربية الصادرة اليوم:
اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية بأنه "لم يكن بمقدور إسرائيل أن تعمل على توسيع رقعة الحرب وتهديد أمن المنطقة والعالم لولا أنها ترى أن لديها القدرة على تجاوز كل الخطوط الحمر من أجل تحقيق أهدافها في التوسع والتهويد والاستيطان وفرض الأمر الواقع على المنطقة بما يلبي إيديولوجيا التطرف لدى حكومة بنيامين نتنياهو".
من جهتها، نقلت صحيفة "الأنباء" الكويتية عن مستشار رئاسي لبناني إشارته إلى أن "الحلول والتسويات في الحروب لا تأتي على البارد، وهي تلي غالباً تصعيداً عالياً، يدفع بالمجتمع الدولي إلى التدخل لخفض النزاعات". وأكد المصدر أن "الاقتراحات الدولية ستتمحور حول هدنة بين طرفي النزاع، دون الأخذ بمطالب الحزب بوقف الحرب في غزّة".
ولفتت صحيفة "اللواء" اللبنانية الى أن "مسار العدوان يتجاوز بأبعاده مسألة عودة المستوطنين المهجرين إلى بيوتهم ويطرح من جديد إمكانية عودة الإحتلال إلى الشريط الحدودي عبر عملية برية"، مشددة على أن "إستمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان أسابيع أخرى، سيؤدي إلى تدحرج الإنهيارات في ظل غياب رئيس الجمهورية، وتعطيل المؤسسات الدستورية، وتُفاقم حالة الإنقسام والتشظي".
وأشارت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن "الكيان الإسرائيلي سعى بوضوح إلى توسيع نطاق الحرب، ذلك لوجود ضمانة تاريخية ثابتة بالغطاء الأميركي المنحاز، والذي على أساسه أصدرت حكومة نتنياهو قرارها بنقل مركز الثقل الاستخباراتي والعسكري من غزة إلى الحدود مع لبنان".
وتحت عنوان "سباق الدبلوماسيّة"، كتبت صحيفة "الوطن" القطرية بأن "ما رأيناه حتى الآن في لبنان يشير إلى أن نتنياهو يمكن أن يمضي بعيداً مهما كان الثمن، لذلك تتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة ودول أخرى لتجنب صراع أوسع بين الطرفين قد يتحول إلى حرب إقليمية مدمرة".
أما صحيفة "النهار العربي" فأوضحت أن "نتنياهو الذي لا يريد إنهاء حرب غزة الآن يجد في حرب لبنان فرصة سياسية له في سياق المصالح السياسية، وفي سياق نرجسيته. وهو الذي يسعى لأن يكون بطل ما يسمونه في اليمين الإسرائيلي "الاستقلال الثاني"!.
(رصد "عروبة 22")