عكست الصحف العربية الصادرة اليوم تداعيات إغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله وسط مخاوف جدية من توسع رقعة الحرب واستمرارها، بما ينذر بمزيد من القتلى والدمار والخراب. فمع عرقلة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مبادرات الهدنة في قطاع غزة، وتحويله المعركة الى الشمال وتوعده بقتال الحوثيين في مرحلة لاحقة، يقف العالم أمام مرحلة جديدة تشي بتغيّرات في المشهد الإقليمي العام.
وهذه التغيّرات ستحمل موازين قوى جديدة يريدها نتنياهو أن تصب لصالحه خصوصاً أنه اليوم، وفق الاستطلاعات الاخيرة، قد حقق تقدماً ملموساً على حساب المعارضة الاسرائيلية ويتمتع بـ"فائض قوة"، ما يجعله يرفض أي مبادرات للتوافق أو التسوية بل يتعهد بالمزيد من "الأيام الصعبة" حتى تحقيق "انتصار إسرائيل".
وكان لاغتيال نصراله وقعٌ وصدمة في الشارع العربي عموماً واللبناني خصوصاً فقد اغتيل بعد 32 عاماً قضاها في قيادة الحزب راكم خلالها انجازات من حرب التحرير في 2000 الى حرب تموز 2006، كما حوّل "حزب الله" من فصيل داخلي إلى قوة اقليمية بعد مشاركته في الحرب السورية لدعم نظام بشار الأسد واليمنية لتعزيز دور الحوثيين. ولعب أدواراً بارزة لاسيما في إطار تعزيز دور إيران في منطقة الشرق الاوسط وحمله راية مواجهة إسرائيل وآخرها حرب إسناد غزة في 8 اكتوبر/ تشرين الأول، بعد يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى".
وبعيد إعلان مقتله، إتجهت الأنظار الى من سيخلفه في القيادة لأن ذلك سيرسم معالم المرحلة المقبلة ويحدد المسار الذي سينتهجه "حزب الله". ويبدو أن الخيارات محصورة بين نعيم قاسم، الرجل الثاني في الحزب والضليع بكل الملفات الداخلية أو هاشم صفي الدين أحد أقرب الشخصيات الى نصرالله وعضو مجلس الشورى الذي يتمتع بثقة داخل صفوف الحزب وكوادره.
ولم تحجب التطورات السياسية الأنظار عن العمليات العسكرية الاسرائيليّة التي تستمر لليوم السابع على التوالي. وقد تركز القصف العنيف على الضاحية الجنوبية وأدى وفق المعلومات المتداولة الى استهداف العضو في استخبارات "حزب الله" حسن خليل ياسين كما عضو المجلس المركزي في الحزب نبيل قاووق، الذي لم يتضح مصيره بعد.
وأمام عمليات الاغتيال "المحددة"، شهدت مناطق الجنوب والبقاع وبعلبك ضربات مكثفة حصدت المزيد من الضحايا والجرحى وسط حركة نزوح كثيفة خاصة بعد التحذيرات الليلية الاسرائيلية لسكان الضاحية والبقاع والجنوب بمغادرتها حتى إشعار آخر. وتحدثت إذاعة الاحتلال الإسرائيلي عن إلقاء أكثر من 3500 قنبلة وصاروخ الأسبوع الماضي على لبنان لإضعاف "حزب الله".
بالتزامن، نقل موقع "واللا" عن مصادر بالجيش الإسرائيلي قولها إن الجيش فرض حصاراً عسكرياً على لبنان لمنع وصول الاسلحة اليه. وكان اخترق، في وقت سابق، ترددات برج مراقبة مطار بيروت الدولي، وهدد باستهداف طائرة مدنية إيرانية في حال هبوطها في المطار، ما أسفر عن رجوعها وإعلان طهران لاحقًا تعليق رحلاتها المدنية إلى بيروت.
وأصدرت وزارة الصحة اللبنانية بياناً قالت فيه إن العدوان الإسرائيلي المستمر أدى لسقوط 1640 قتيلاً، منهم 104 أطفال و194 امرأة، و8408 جرحى منذ بدء المواجهات بين إسرائيل و "حزب الله" في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. فيما كشفت المعطيات الرسمية نزوح نحو مليون لبناني من بينهم 86 ألفا و600 نازح يتوزعون على 644 مركزاً للإيواء. أما الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد أعلنت أن أكثر من 50 ألف لبناني وسوري في لبنان عبروا الحدود السورية.
هذا ويستمر الاحتلال بالتهديد بعملية برية "محدودة" مع حشد قواته العسكرية على الحدود ضارباً عرض الحائط بكل الدعوات الدولية لوقف التصعيد. بينما واصل "حزب الله" اطلاق دفعات جديدة من الصواريخ باتجاه مواقع إسرائيلية في صفد والجليل والجولان المحتل. وقالت القناة الـ12 الاسرائيلية إنه تم رصد إطلاق 50 صاروخا من لبنان باتجاه إسرائيل منذ صباح أمس، السبت.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن إنه اعترض خارج حدود البلاد صاروخ أرض- أرض أطلق من اليمن، فيما تبنى الحوثيون العملية التي قالوا إنها استهدفت مطار بن غوريون بصاروخ باليستي "فلسطين 2"، أثناء وصول نتنياهو قادماً من الولايات المتحدة.
إلى ذلك، اعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أنه حان الوقت للتوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار وإزالة التهديدات التي تواجهها إسرائيل وتحقيق الاستقرار، واصفاً اغتيال نصرالله بـ"الاجراء الذي يحقق العدالة لضحاياه الكثيرين". أما نتنياهو فعلق قائلاً: "لدينا إنجازات عظيمة لكن العمل لم يكتمل بعد، سنواجه في الأيام المقبلة تحديات كبيرة".
بدوره، هاجم المرشد الإيراني علي خامنئي إسرائيل، مشدداً على "أن مصير المنطقة تحدده قوات المقاومة وعلى رأسها "حزب الله". يُشار الى أن وسائل إعلام إيرانية أكدت مقتل نائب قائد عمليات "الحرس الثوري" الجنرال عباس نيلفروشان في ضربة الضاحية التي استهدفت نصرالله أيضاً.
الى ذلك، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل 12 عنصراً موالياً لإيران وجرح العشرات ليل أمس في غارات جوية نفذتها طائرات "مجهولة" على مواقعهم العسكرية في شرق سوريا وكذلك منطقة البوكمال القريبة من الحدود مع العراق.
وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم:
تناولت صحيفة "عكاظ" السعودية الوضع اللبناني الذي يستدعي في "المرحلة الراهنة إعادة النظر بالأولويات الوطنية لرسم مستقبل يلبي طموحات الشعب ويحافظ على سيادة الدولة". وخلصت الى "أن الطريق نحو مستقبل أفضل للبنان يبدأ بتحقيق هذه الخطوات، فلبنان أكبر من أي حزب أو فصيل، ومستقبل البلاد يعتمد على قدرة اللبنانيين على تجاوز الانقسامات وبناء دولة تحمي مصالحهم وتحقق تطلعاتهم".
وتطرقت صحيفة "الأهرام" المصرية الى الجهود التي تبذلها القاهرة لفرملة تصاعد التوتر ومنع الحرب الشاملة، مؤكدة أن "الضربات الإسرائيلية المتتالية واستهداف كوادر وقيادات "حزب الله" وقصف بناه ومقراته العسكرية وربما التجهيز لعملية غزو بري يؤدي إلى ازدياد احتمالات تحول هذا التصعيد إلى حرب مباشرة وواسعة النطاق بين تل أبيب والحزب، لا يعلم تأثيراتها وسبل وقفها سوى الله".
بدورها، اعتبرت صحيفة "الراية" القطرية أن "قرار تغيير وجه الشرق الأوسط القديم تم التوافق عليه بين المجموعة الغربية الفاعلة وعبر إسرائيل، والنتيجة هي أن هذه الحرب لن تتوقف حتى تحقيق هذا الهدف"، لافتة الى "أن هذا التنفيذ قد يأخذ مساحة ووقتًا أكبر مما تم التخطيط له، ولكنه سيفرض تصفية القضية الفلسطينية وتحييد قوى المقاومة نهائيًا وتحويل التطبيع إلى أمر واقع".
كما ركزت صحيفة "الجريدة" الكويتية على عملية اغتيال نصرالله، واضعة إياها في خانة "الضربة التي أصابت قلب المحور الإيراني ومشروعه...وهي تأكيد على نية إسرائيل في توسيع الحرب وأفقها". وأضافت: "إنها المرة الأولى في لبنان التي تتعرض فيها الطائفة الشيعية إلى مثل هذه الضربة بعد عملية اختطاف السيد موسى الصدر".
من جهتها، تحدثت صحيفة "الخليج" الإماراتية عن عدم وجود "مؤشرات حقيقية للتهدئة ولا ضغوط دولية فاعلة يمكن أن تساعد في لجم التوتر وحماية المنطقة من مصير محفوف بالمخاطر والتهديدات"، داعية إلى "وقفة دولية حازمة عبر مجلس الأمن الذي يجب عليه تجاوز انقساماته والتحرك الآن قبل فوات الأوان".
وأوضحت صحيفة "الوطن" القطرية أنه "بالعدوان الوحشي الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، نقلت تل أبيب المواجهة إلى أقصى درجاتها، متخطية كل الخطوط الحمراء، حيث دفعت إسرائيل بالأمور إلى متاهة تفجير ضخم لن تبقى رقعته محددة بلبنان، بل ربما تتجاوزه إلى كامل المنطقة".
(رصد "عروبة 22")