اقتصاد ومال

هل تصبح مصر دولة "خالية من الرؤوس"؟

القاهرة - منال أحمد

المشاركة

ما أن أعلن رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي عن اتجاه حكومته لإعداد 5 مناطق بالبحر الأحمر للطرح للمستثمرين على غرار منطقة رأس الحكمة التي جرى تخصيصها لمستثمرين إمارتيين قبل شهور، حتى أغرق المصريون صفحات التواصل الاجتماعي بشعار ساخر "نلحق نروح البحر الأحمر قبل ما الحكومة تبيعه بالقطاعي"... أما النكتة الأكثر إيلامًا، أنّ مصر ستعلن قريبًا أنها "خالية من الرؤوس"، وذلك للسخرية من طرح مناطق رأس بناس ورأس جميلة للمستثمرين العرب، لتلحق برأس الحكمة.

هل تصبح مصر دولة

تملك مصر أكثر من 13 جزيرة ومنطقة سياحية على البحرين الأحمر والمتوسط تحمل لقب "رأس"، وتملك 35 جزيرة في محافظة البحر الأحمر وحدها، فيما تتوزع 500 جزيرة أخرى على البحر نفسه مختلفة الأحجام في محافظتي شمال وجنوب سيناء.

ويُعد طرح أراضي ساحلية هي خطوة الحكومة المصرية الأخيرة للخروج من أزمتها المالية وسداد التزاماتها الدولية في الربع الأخير من العام المالي الأخير والربع الأول من العام المالي القادم، وتقدر تلك الالتزمات بنحو 24 مليار دولار، ما بين ديون وودائع خليجية، بما في ذلك ودائع الكويت البالغة 4 مليار دولار وودائع السعودية البالغة نحو 10 مليار دولار.

وأثبتت الأشهر الماضية فشل خطة الحكومة في طرح شركات ومصانع ومشروعات بنية أساسية، إذ اضطرت الحكومة للتراجع عن طرح محطة بني سويف للطاقه للبيع نظرًا لعدم جاذبيتها وجاذبية غيرها من مشروعات للمستثمرين، وفي السياق نفسه أعلن محافظ البنك المركزي حسن عبد الله عن طرح حصة من المصرف المتحد في البورصة المصرية، وذلك بعدما كان المصرف مرشحًا للبيع لمستثمرين خليجيين.

ما بين "مطرقة" الديون والالتزمات الدولارية و"سندان" إحجام المستثمرين عن شراء شركات ومشروعات البنية التحتية، لم تجد الحكومة المصرية سوى رهان واحد وهو الأراضي وتحديدًا الجزر بمختلف أنواعها بحرية كانت أو نيلية.

وفى الكواليس هناك دراسات تجري في سرية عن مدى إمكانيه طرح حرم الآثار للاستغلال الدولي، وقد عادت هذه الدراسات للصدارة مرة أخرى بعدما جذبت هذة المناطق أثرياء من أكبر أغنياء العالم لإقامة حفلات زفاف خاصة بها.

ثمة سبب آخر وراء اتجاه الحكومة المصرية لطرح أراضي بديلًا عن طرح شركات، فحتى في ذورة الطلب على الشركات بلغت حصيلة بيع 17 شركة خلال العامين الماضيين 5،7 مليار دولار، بحسب تقرير لمركز تابع لمجلس الوزراء، بينما حقتت صفقة رأس الحكمة وحدها 30 مليار دولار في أقل من شهرين.

ويستنكر بعض المصريين بيع الأراضي الساحلية والجزر لمستثمرين عرب ما يعني ضياع حقوق الأجيال القادمة في أرض وسواحل بلادهم. الوجود الإماراتي هو الأبرز في الصفقات حتى قبل صفقة رأس الحكمة، فبحسب التقرير السابق الإشارة إليه اشترت أبو ظبي بما قيمته 2،8 مليار دولار، أي نحو 40% من الصفقات السابقة، فيما تتجه السعودية الآن نحو صفقه شراء أراضي بعد زيارة رئيس الحكومة المصري إلى الرياض مؤخرًا. وهو ما أثار الجدل بين دوائر العديد من المصريين الذين يعلقون على تسارع وتيره البيع في جلساتهم الخاصة.

لكن خبراء الاقتصاد تحدثوا عن الدائرة الجهنمية التي يدور فيها الاقتصاد المصري، من بيع إلى آخر ومن حق امتياز على البحر المتوسط إلى آخر على البحر الأحمر. وذلك وسط غياب أي خطة للإصلاح تدفع بالاقتصاد الحقيقي للنمو.

ويقول المحلل الاقتصادي الدكتور أحمد عبدالمعطي لـ"عروبة 22" إنّ مصر ليس أمامها حلول سوى العمل على توسيع سبل الاستثمار وعدم الاكتفاء بالاعتماد على منح حق انتفاع أو عملية بيع للأصول مع الاحتفاظ بأهلية الأرض، لأنّ حلول حق الانتفاع والبيع بالرغم من أنها سريعة ومنجزة في وقتها إلا أنها على المدى البعيد تحقق مكاسبها ونجاحاتها للدول التي استثمرت في هذه الأرض، بينما لا تستفيد الدولة صاحبة الأرض من هذه الصفقات على المدى البعيد سوى بالنسبة الثابتة التي تحددت من الأرباح والتي لا تتغيّر أو ترتفع مع الوقت.

وطالب عبد المعطي بضرورة توجيه الاستثمارات لمختلف الدول لتشهد الدولة تنوعًا في اقتصادها وفي اعتمادها على العملات من مختلف الدول، لافتًا إلى ضرورة العمل على جذب رجال الأعمال المصريين والعرب والأوروبيين والآسويين أيضًا.

كذلك أبدى الخبير الاقتصادي الدكتور هاني جنينة، اعتراضه على عملية البيع، مؤكدًا أنّ هذه السياسة لا تُعد حلًا اقتصاديًا مناسبًا، لافتًا إلى أنّ الحل هو فتح المنطقة للاستثمارات بشكل عام وليس استثمارات لجهات معينة.

وقال جنينة إنّ الحكومة يجب أن تُهيّء المنطقة لتحقيق استثمارات قوية في شتى المجالات، ويجب أن لا تكون فكرة البيع والخصخصة بمساحات محددة أو الإعطاء بالأمر المباشر هو الحل للوضع الاقتصادي الحالي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن