يُعوّل لبنان الرسمي على المساعي والإتصالات الدوليّة لوقف إطلاق النار والتمهيد إلى مشاورات يكون في صلبها تنفيذ القرار 1701 وإرسال الجيش إلى الجنوب، وهو ما تعهدت به الحكومة اللبنانية في محاولة لإرساء تسوية تضع حداً للعدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من أسبوعين.
وهذه الجهود ليست بمنأى عن "حزب الله" الذي فوض رئيس مجلس النواب نبيه بري بقيادة دفة الحوار، في وقت يجول وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي على عدد من الدول العربية والخليجية في مسعى لحشد أكبر دعم ممكن لوقف التصعيد الاسرائيلي في قطاع غزّة ولبنان بعد تصاعد حدة العمليات العسكرية ما يضع المنطقة برمتها في أتون خضات سياسية واقتصادية ستطال شرارتها معظم الدول حتى "المستقرة" منها.
واذ تنشغل القنوات الديبلوماسيّة ببلورة أفكار وصيغ تلقى قبولاً لدى الأطراف المتصارعة وتمهد لتسوية شاملة في المنطقة تبدأ في غزّة ولا تنتهي في لبنان. تتجه الأنظار إلى ما سيرشح من قرارٍ عن جلسة مجلس الأمن الثالثة المقررة اليوم، الخميس، والتي تُعقد بناء على طلب فرنسي. هذا وحذرت مصر على لسان رئيس وزرائها مصطفى مدبولي بأن "الحرب في لبنان من الممكن أن تطول"، في وقت وصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الهجوم الإسرائيلي بأنه "غزو من دولة أخرى لدولة ذات سيادة مثل لبنان".
وفيما أعلنت الحكومة الفرنسية عن عقد مؤتمراً دولياً يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بهدف حشد جهود المجتمع الدولي لدعم الشعب اللبناني وتعزيز قدرات الجيش كما الدعوة للتوصل إلى حل دبلوماسي ضمن سقف الالتزام بالقرار 1701. تحدثت الحكومة اللبنانية عن أنّها تدرس إقامة بيوت جاهزة لإيواء النازحين في أراضٍ عامة مفتوحة، بالتعاون مع جهات مانحة بينها دول عربية، بعدما تسبب الاحتلال الإسرائيلي بنزوح أكثر من 1.2 مليون شخص.
ميدانياً، كثف "حزب الله" من قصفه للعمق الإسرائيلي حيث أطلق 360 صاروخاً، موقعاً عدداً من القتلى والجرحى، وألحق أضراراً فادحة بالمباني والممتلكات في كريات شمونة وحيفا وصفد وطبريا ومواقع في الجولان المحتل. وكان الحزب بث صوراً لمواقع إستراتيجية عديدة في حيفا تضمنت أنفاقاً ومستشفيات ومنشآت عامة بينها جامعة حيفا وبرج اتصالات ومصفاة نفط في إطار الحرب النفسية وللتأكيد على جهوزيته لإستهدافها وحفاظه على مقدراته العسكرية رغم الاغتيالات الاسرائيلية "النوعية" والتي طالت أمينه العام حسن نصرلله كما قيادات تنظيمية آخرى.
في غضون ذلك، زعم الجيش الإسرائيلي أن قواته من الفرقة 36، التي تعمل في جنوب لبنان، دمّرت حتى الآن أكثر من 500 هدف للبنية التحتية للحزب وقضت على أنفاق تحت الأرض ومخازن أسلحة، وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
إلى ذلك، خيّم هدوء حذر على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد أيامٍ من الغارات العنيفة والمكثفة، بينما وسع الاحتلال من رقعة عدوانه، الذي شمل مرتفعات جبل صافي في أعالي جزين وعدلون، كما أغار على بلدات عدّة في البقاع وإرتكب مجزرة بإستهدافه مركزاً للإيواء في بلدة الوردانية في الشوف.
إقليمياً، وبعد الحديث عن توتر في العلاقة لاختلاف وجهات النظر، ناقش الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في محادثة هاتفية، خُططاً لشنّ ضربة انتقامية ضد إيران. وأوضحت مصادر البيت الأبيض أن بايدن شدّد على "ضرورة التنسيق الكامل والشفافية بين تل أبيب وواشنطن"، بينما لم يرشح أي معلومات بشأن "قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإنهاء الصراع مع حركة "حماس" و"حزب الله".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت هدد إيران برد "فتاكاً ودقيقاً ومفاجئاً". وأضاف: "الهجوم الإيراني كان عدوانياً، لكنه افتقر للدقة". ووفق محلّل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن القصف على إيران سيتركز على مواقع عسكرية، في محاولة لإيجاد طريق وسطى؛ فمن جهة يتحقّق الرد الإسرائيلي، ومن جهة ثانية تعرف طهران قدرات سلاح الجو الإسرائيلي، لكن الولايات المتحدة تريد أن تضمن عدم تسبّب الضربة الإسرائيلية في رد إيراني آخر، وتضمن امتصاصها "من دون إهانات أو جروح"، بحسب ما أوردته الصحيفة.
فلسطينياً، جدد الاحتلال الإسرائيلي عملياته البرية والجوية في شمال غزّة حيث قامت قواته بتطويق مدينة جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون في محاولة لعزلها عن مدينة غزّة، ما حال دون دخول المساعدات ومحاصرة ما يقارب 400 ألف فلسطيني وسط مناشدات للمجتمع الدولي بوقف حرب الإبادة والتطهير العرقي. وكانت مصادر صحية فلسطينية تحدثت عن سقوط 125 شهيداً خلال 5 أيام من العدوان.
وضمن جولة الصحف العربية اليوم:
دعت صحيفة "الوطن" القطرية، في معرض حديثها عن مخططات إسرائيل التوسعية، إلى "فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية الاسلامية، والعربية الصينية والروسية"، مؤكدة "أن المخطط الصهيوني المعلن واقعي والثمن سيكون كبيراً جداً ودول أخرى وشعوب ستدخل في التقسيم والتهجير، وخيار حل الدولتين سيبقى مجرد كلام دبلوماسي استهلاكي"، على حد تعبيرها.
وسلطت صحيفة "الخليج" الإماراتية الضوء على "رهان إسرائيل من خلال حروب الإبادة على تحقيق "نصر مطلق" يعتبره نتنياهو فرصة لإقامة نظام إقليمي جديد يستند إلى نتائج الحرب، ومن المفترض أن يخدم رؤيته في ما يتعلق بموازين قوى إقليمية"، معتبرة أن "نتنياهو يستقوي في موقفه بسيطرة اليمين المتطرف على المفاصل السياسية والأمنية وبالمجتمع الإسرائيلي في المضي بحربه إلى ما لا نهاية".
بدورها، طالبت صحيفة "الدستور" الأردنية بـ "وضع خطة دولية متوافق عليها من قبل مجلس الأمن الدولي من أجل إنهاء حرب الإبادة في قطاع غزّة والبحث في اليوم التالي"، منبهة إلى أن "المدخل الحقيقي لحل القضية الفلسطينية هو إقامة دولة فلسطين لتحقيق أمن واستقرار المنطقة والعالم وإنهاء دوامة الصراع القائم ووضع حد لاستمرار العنف والحروب وتحقيق الأمن والسلام لشعوب المنطقة".
وبحسب صحيفة "الأهرام" المصرية، فإنه "يخطئ نتنياهو وحكومته إذا تصور أن المجازر والتدمير الممنهج للمنازل والبنى التحتية وقتل وإصابة عشرات بل مئات الآلاف الفلسطينيين، واستهداف أماكن النزوح، ستحقق لهم الأمان أو تجعل الشعوب العربية تقبل بوجودهم".
وفي معرض تعليقها عما يحدث في غزّة ولبنان، أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "دول الاعتدال أرادت تحويل هذه المنطقة إلى ورشة تنمية وتطور وازدهار، وحل مشاكلها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية"، مشددة على وجود أطراف "مهمتها الوحيدة إلحاق الأذى بشعوب المنطقة وتعقيد قضاياها وعسكرة ممراتها الحيوية، بكل ما يسببه ذلك من ضرر على اقتصادها وأمنها واستقرارها".
الى ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية غربية لصحيفة "الجريدة" الكويتية عن "وجود مسار سياسي ودبلوماسي عربي - إيراني - أميركي للبحث في مسألة وقف إطلاق النار في لبنان وتشارك فيها دول خليجية وآخرى أوروبية"، مشيرة الى "قنوات كثيرة لهذه المحادثات من سلطنة عمان، إلى دولة قطر، وصولا الى سويسرا".
أما صحيفة "القدس العربي"، فتحدثت عن مواقف النظام السوري وسياساته، التي وصفتها كالـ"طعنة الكبرى لحلفائه في المواجهة الدائرة من غزّة إلى طهران، فتقوقعه وشرنقته المعروفة الأهداف للحفاظ على سلالة حكمه، كان ثمنها المقتلة والحطام الذي خلفه في عموم سوريا ومنح الجرأة للعدو بنسخ جزء من جرائمه"، بحسب أقوالها.
(رصد "عروبة 22")