تتسارع وتيرة الأحداث في المنطقة التي تشهد تصعيداً مستمراً في غزّة ولبنان مع ما يرافق ذلك من تهديدات إسرائيليّة بتوجيه ضربات لإيران، فيما تحاول الولايات المتحدة الاميركية، في "الوقت الضائع" لانتخابات الرئاسة، الى توظيف اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار واطلاق عجلة المفاوضات لارساء هدنة في القطاع المُحاصر والبحث في خفض التصعيد على الجبهة اللبنانية.
وتتكثفُ، في هذا الإطار، الزيارات الأميركية حيث من المتوقع أن يصل الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة. بالتوازي، يستعد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بالقيام في جولته الـ11 منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي ستشمل اسرائيل وعدة دول معنية بهذه الملفات، بظل تحذيرات عربية من استمرار "التعنت الاسرائيلي".
وبات من المعلوم أن الادارة الاميركية تضغط، في الشق اللبناني، الى تعديل القرار الدولي 1701 وانتخاب رئيس للجمهوية. أما، في ما يتعلق بقطاع غزّة، فمساعيها تنحصر بإطلاق سراح الرهائن والبحث في "اليوم التالي" لحكم القطاع دون وجود حركة "حماس".
وتشير هذه الوقائع إلى أن مسار المفاوضات سيكون عسيراً ومعقداً لتداخل الاطراف المتنازعة والدول الراعية، وأبرزها ايران التي تحاول في أي تسوية أن يكون لها دور محوري. ومن هنا يأتي كلام رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، والذي أشار إلى استعداد طهران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار 1701، متخطياً الحكومة اللبنانية وسيادتها ومعلناً طهران شريك بالتفاوض بإسم "حزب الله".
ومن المتوقع أن يتصاعد الضغط الفرنسي - الايراني في الأيام المقبلة للوصول الى تسوية في لبنان تتضمن لكلا البلدين الحفاظ على مصالحهما الداخلية رغم أن المعطيات تشير الى صعوبة تحقيق اختراق دبلوماسي. وفي هذا السياق، برز اعلان ايران، عبر بعتثها بالأمم المتحدة، أن "حزب الله" هو المسؤول عن استهداف منزل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا، جنوب حيفا، بمُسيّرة صباح اليوم.
هذا وغاب التبني الرسمي من قبل "حزب الله"، الذي يدأب على نشر بيانات الاستهدافات اليومية لتل أبيب وجنودها، واستبداله بالاعلان الايراني، بما يعنيه هذا الهجوم من تصعيد جديد في لبنان تمثل بعودة الغارات الجوية المكثفة الى الضاحية الجنوبية لبيروت بعد ما يُقارب الاسبوع من الهدوء الحذر وإثر "الضمانات الاميركية" التي اعلن عنها رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي بتخفيض التصعيد في العاصمة وضاحيتها.
من جهته، سارع نتنياهو لإتخاذ الاستهداف "النوعي والرمزي" ذريعة ليعلن "مواصلة إسرائيل الحرب ضد أعدائها من أجل النهضة". وأضاف "أقول للإيرانيين وشركائهم في محور الشر إن كل من يمس مواطني إسرائيل سيدفع ثمناً باهظاً". وجدد القول بأن "كل أهداف الحرب التي وضعناها ستتحقق وسنغير الواقع الأمني في منطقتنا لأجيال".
وعلى وقع التصعيد في منطقة الشرق الاوسط، طالب وزراء دفاع مجموعة السبع خلال الاجتماع، الذي عُقد في نابولي، إيران بالامتناع عن تقديم الدعم لـ"حماس" و"حزب الله" والحوثيين وغيرهم كما التوقف عن اتخاذ أي إجراء إضافي من شأنه زعزعة استقرار المنطقة". أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فأكد، أمام وفد من النواب الاميركي، أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هي "السبيل لنزع فتيل التوتر الإقليمي، وتعزيز مسار السلام والأمن الحقيقيين والمستدامين".
وكرّر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعوته إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزّة كما أكد ضرورة اتخاذ خطوات رئيسية في لبنان، بما في ذلك منح تفويض أقوى لقوات "اليونيفيل"، التي تتعرض مراكزها وقواتها لاستهدافات اسرائيليّة متكررة.
ولم تحجب هذه الوقائع السياسية الأنظار عن التطورات الميدانية، إذ شنّ الجيش الإسرائيلي غارات عنيفة على عدة بلدات في جنوب لبنان وشرقه، كما طال القصف منطقة المشرفة عند الحدود اللبنانية - السورية بالبقاع شرقاً.
وفي تطور خطير، استهدف الإحتلال للمرة الأولى منطقة جونيه، شمالي العاصمة بيروت، مما أدى إلى مقتل شخصين وسبب حالة من الهلع والذعر في هذه المنطقة الحيوية والمكتظة. وفي وقت تضاربت المعلومات عن الشخصية المستهدفة، نعى مركز الامام الخميني معصومة كرباسي، من اعضاء الجالية الايرانية، مع زوجها عباس رضا عواضة الذي قيل إنه مسؤول كبير في "حزب الله".
وفي عملية اغتيال آخرى، قُتل 4 أشخاص بينهم رئيس بلدية سحمر حيدر الشهلا في غارة إسرائيليّة استهدفت شقة سكنية في البقاع الغربي شرقي لبنان. وتشهد ساحات المعارك الميدانية تصعيداً طردياً بين "حزب الله" والقوات الاسرائيليّة وسط استمرار الحزب بإستهداف مواقع في حيفا والكريوت وصفد وعكا والجليل بأكثر من 150 صاروخ أدت الى مقتل شخص وإصابة 14 آخرين.
أما في غزّة، فالواقع أشد سوءاً حيث ارتكب الاحتلال مجزرة مروّعة في بيت لاهيا راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى مع استمراره بتضييق الخناق على مخيم جباليا ومحاصرة محيطه مستخدماً كل أساليب الابادة الجماعيّة. وإزاء هذا الواقع الأليم، الذي حصد 400 شهيد منذ بدء العملية العسكرية قبل أسبوعين، دعت حركة "حماس" الدول العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها لوقف حرب الإبادة التي ستكون لها تداعيات خطيرة تهدد سلم المنطقة وأمنها الإقليمي، وفق وصفها.
وفي سياق آخر، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن السلطات السورية صادرت مستودعات ذخيرة لـ"حزب الله" وقيّدت حركة مقاتلي الحزب وغيره من الميليشيات التابعة لإيران، في محاولة للحؤول دون جرّ سوريا إلى الحرب الدائرة في غزّة ولبنان.
وشكلت هذه التطورات محور عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث:
اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أنه "لا توجد أية فرص أمام الإدارة الأميركية الحالية للحركة والتأثير في مجريات الحوادث. كل ما تستطيعه عبر جولة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أن تستثمر في مقتل السنوار بدواعٍ انتخابية". وقالت: "إننا أمام تجهيل متعمّد بمسؤولية نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة عن أبشع جرائم الحرب ونزوعها لتوسيع نطاق المواجهات بذريعة نجاعة الضغط العسكري".
وبرز، في الإطار عينه، ما نقلته صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن الأميركيين بعثوا برسالة جديدة إلى الإيرانيين عقب مقتل السنوار مفادها أن هناك فرصة لوقف كل الصراعات في المنطقة. ووفق الرسالة عينها، فإن الأميركيين أشاروا إلى أن التوصل لصيغة دبلوماسية لإنهاء القتال وتهدئة المنطقة يمكن أن يمهد لتفاهم حول عودة واشنطن للاتفاق النووي الإيراني.
من جهتها، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية تحت عنوان "أوهام واشنطن الجديدة"، بأن "تحركات واشنطن، وبينها اتصال بايدن مع نتنياهو لإنهاء الحرب، لا تستهدف وقف حمامات الدم في غزّة ولبنان، بقدر ما هي محاولة لمساعدة كامالا هاريس الأمريكي بعد فشلها في التقدم على ترامب". وقالت الصحيفة: "بايدن يريد إهداء كامالا إنجازاً، ونتنياهو ليس مستعداً لدفع ثمن الهدية. هو يفضل مواصلة الحرب".
ووفق قراءة صحيفة "الدستور" الأردنية، فإن "الولايات المتحدة وإيران، كانتا حريصتان طوال العام الماضي على ضبط إيقاع المعارك حتى لا تتطور نحو حرب إقليمية"، الا أنها رأت في الوقائع أن "نتنياهو واصل تماديه، لتوسيع حلبة الصراع حتى لا يقتصر على المواجهة داخل فلسطين، ونجح في ذلك، وصولاً إلى هدفه المعلن أن الصراع إسرائيلي - إيراني، بأدوات عربية تابعة كحماس، الجهاد الإسلامي وحزب الله…
وتناولت صحيفة "الصباح" العراقية "معالم" الشرق الأوسط الجديد، إذ قالت: "ثمة تحول خطير في الشرق الأوسط، هدفه إخضاع المنطقة بالمطلق لصالح الكيان الصهيوني والغرب وإدخال المنطقة في أتون صراعات إقليمية، لصالح هدف استراتيجي بعيد المدى، يتمثل بالصراع الامريكي - الصيني محور القضية في اصلها، وبأدوات تحاول تصفية الساحة من اي تطور يعرقل عملية الصراع".
وشددت صحيفة "الوطن" العُمانية على أن "ما يجري من حرب إبادة مستمرة ضد الشعب الفلسطيني بدعم وشراكة أميركية لم ولن يعفي المجتمع الدولي من مسؤوليَّاته الأخلاقيَّة، بل هو مُطالب اليوم بالارتقاء إلى مستوى تحدِّي هذا الإجرام الصهيوني والتدخل فورًا لانقاذ احتمالات السلام العادل"، مؤكدة أن "محاسبة دولة الاحتلال وإنصاف فلسطين هو أولى خطوات إنقاذ السلام العالمي".
(رصد "عروبة 22")