تقدير موقف

"التطهير العرقي في فلسطين".. إبادة لا تسقط بالتقادم (3/3)

الجرائم بصفة عامة وجرائم الإبادة بصفة خاصة لا تسقط بالتقادم، وقد حددت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عددًا من الأفعال التي تدخل في إطار الإبادة الجماعية، منها قتل أفراد الجماعة، وإلحاق أذى جسدي وعقلي خطير بأفراد الجماعة، وإخضاعهم بشكل متعمد لظروف معيشية بقصد تدميرهم كليًا أو جزئيًا، وهي جميعها تنطبق على الأفعال الصهيونية التي قتلت أكثر من 40 ألف فلسطيني، وكان غالبية الضحايا من المدنيين وغالبيتهم من الأطفال والنساء، بما في ذلك أكثر من 30 ألف امرأة وطفل، بجانب آلاف الجثث ما زالت تحت أنقاض المباني المدمرة، فيما اقترب عدد الجرحى والمصابين من نحو 100 ألف.

كما قتلت إسرائيل مئات الصحفيين والمراسلين، ومئات آخرين من العاملين في مجال الرعاية الصحية والطواقم الطبية، ودمّرت سيارات الإسعاف والمستشفيات في غزة. بجانب الاعتقالات العشوائية والاحتجاز الجماعي العشوائي، والحرق العمد، والقتل خارج نطاق القضاء للمعتقلين الفلسطينيين العزل والأطباء والعمال.

شبه إجماع عالمي على أنّ إسرائيل ترتكب إبادة جماعية مصوّرة وعلى الهواء مباشرة

إنّ فضح حرب الإبادة في غزّة يدق المسمار الأخير في نعش الصهيونية ومعاداة السامية الذي تحتمي به إسرائيل، وفي تلك اللحظات الفارقة يجب علينا أن تتكاتف الطاقات لإفشال مخطّط الإبادة والتطهير العرقي، ونطرق على الحديد الساخن؛ فهناك الآن شبه إجماع عالمي واسع النطاق على أنّ إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، مصوّرة وعلى الهواء مباشرة.

دولة منبوذة في المحافل الدولية

لقد طبقت إسرائيل الإبادة بحذافيرها في غزّة؛ ومن هنا يستلزم الأمر فضح جرائم الإبادة الموثقة في المحافل الدولية، وكشف الوقائع صوتًا وصورة على الرأي العام العالمي عن طريق التوثيق والإعلان وكتابة التقارير بجميع اللغات وتعميمها، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى قطع حبل إسرائيل الواهي خاصة بعد أن أقامت حكومة جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 دعوى ضدها في محكمة العدل الدولية، تتهمها بالإبادة الجماعية، واستندت على الأدلة الدامغة بقتلها للمدنيين الفلسطينيين بأعداد كبيرة، وتدمير منازلهم وتشريدهم، إضافة إلى فرض الحصار على الغذاء والماء والمساعدات الطبية في القطاع، وتدمير المرافق الصحية الأساسية.

ثم انضمت عدة دول لدعوى جنوب أفريقيا، منها: نيكاراغوا، وكولومبيا، وليبيا، والمكسيك، وإسبانيا، وتشيلي، وأعلنت عدد من الدول عزمها التدخل، والانضمام إلى القضية المرفوعة ضد إسرائيل، منها: مصر، وجزر المالديف، وتركيا، وأيرلندا، وبلجيكا. والقائمة ما زالت مفتوحة ومرشحة للازدياد الكبير؛ مما يضيّق الخناق بصورة كبيرة على الكيان اليهودي المدمر للحجر والبشر والأثر.

هنا تصبح إسرائيل دولة "منبوذة" دوليًّا على خلفية ما ترتكبه من "إبادة جماعية".

منظمات دولية تشهد على الإبادة

أصدرت عدة منظمات بيانات تؤكد نهج الإبادة الجماعية المنظمة في غزّة، وهو الأمر البالغ الأهمية في فضح جرائم الإبادة، وتعزيز الضغط الدولي؛ فوجدنا منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" تصدران بيانات أعلنتا فيها أنّ إسرائيل فشلت في الامتثال لحكم محكمة العدل الدولية الصادر في 26 يناير/كانون الثاني بمنع الإبادة الجماعية، من خلال منع دخول المساعدات إلى غزّة.

كما قدّم المركز الأمريكي للحقوق الدستورية دعوى في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ورفع مركز الحقوق الدستورية دعوى قضائية ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن. تنص الدعوى أنّ "عمليات القتل الجماعي" التي تقوم بها إسرائيل، واستهداف البنية التحتية المدنية، والطرد القسري ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

مساندة شخصيات دولية معتبرة

إنّ مساندة العديد من الشخصيات الدولية لدعوى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل تضيّق الحلقة أكثر فأكثر على الكيان؛ فقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش المجازر وعلق بقوله: "لم أرَ قط مثل هذا المستوى من الموت والدمار والإبادة كما نراه في غزّة". وكتبت مجموعة من المقررين الخاصين للأمم المتحدة: "ما زلنا مقتنعين بأنّ الشعب الفلسطيني معرّض لخطر الإبادة الجماعية".

كما نشر الرئيس جوستافو بيترو رئيس كولومبيا على موقع "إكس" باللغة الإسبانية: "إنها تسمى إبادة جماعية، إنهم يفعلون ذلك لإخراج الشعب الفلسطيني من غزّة والاستيلاء عليها". ووصف رئيس ناميبيا هاكه جينجوب تصرفات إسرائيل في غزّة بأنها "إبادة جماعية وشنيعة"، وقال الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا: "ما يحدث في قطاع غزّة مع الشعب الفلسطيني لم يحدث في أي مرحلة أخرى في التاريخ".

وشبّه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا تصرفات إسرائيل بالفصل العنصري، كما قام المؤرخ الإسرائيلي راز سيجال بتفصيل ثلاثة أعمال كان ينفذها الجيش الإسرائيلي، وكانت بطبيعتها إبادة جماعية، وهي: أعمال القتل، وإلحاق الأذى الجسدي الجسيم، ووضع وتنفيذ إجراءات مصممة بشكل إستراتيجي لتدمير الوجود الفلسطيني. هذا بجانب إيلان بابيه أشهر مؤرخ يهودي وثّق جرائم الإبادة في فلسطين.

وفي مطلع فبراير/شباط 2024، وقّع أكثر من 800 موظف حكومي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على رسالة مفتوحة تنتقد "الدعم العام والدبلوماسي والعسكري" الذي تقدمه حكوماتهم لإسرائيل، وحذروا من أنّ سياسات حكوماتهم بشأن غزّة تسهم في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وجرائم الحرب، وحتى التطهير العرقي.

الموقف القانوني

أكد العديد من علماء القانون أنّ ما ترتكبه إسرائيل يرقى بلا شك إلى مستوى الإبادة الجماعية، وأكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنّ جرائم الحرب التي ارتكبها مواطنون إسرائيليون في غزّة تقع ضمن نطاق الإبادة الجماعية.

وقال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في المياه بيدرو أروجو: إنه بناءً على المادة 7 من نظام روما، يعتبر "الحرمان من الحصول على الغذاء أو الدواء، من بين أمور أخرى" شكلًا من أشكال الإبادة.

ووثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أدلة على عمليات إعدام ارتكبها الجيش الإسرائيلي. وقدمت الأدلة والوثائق إلى المحكمة الجنائية الدولية والمقرر الخاص للأمم المتحدة.

الخناق سيضيق على "إسرائيل" لو انضمت كل الدول العربية والإسلامية إلى دعوى جنوب أفريقيا

وفي مارس/آذار 2024، قدمت شركة "بيرشجروف" القانونية ومقرها سيدني بدعم أكثر من 100 محامي أسترالي دعوى ضد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز ووزير الخارجية بيني وونج وآخرين إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارهم شركاء في الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، مستشهدةً بوقف تمويل الأونروا، وتقديم المساعدات العسكرية والدعم السياسي المطلق لإسرائيل.

ونرى أنّ من الضروري الحفاظ على جميع الأشرطة المسجلة لجرائم الإبادة، مع جميع الأدلة والقرائن التي يمكن جمعها من أجل توثيق ما حصل، لتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية بصفة مستمرة من أجل دحض أي حجة، أو أي دُفوع تُقَدم بهدف تبرير تلك الإبادة.

في الختام؛ نتساءل هل ستنجح تلك الأفكار المطروحة؟.. ونتساءل أيضًا ماذا لو انضمت كل الدول العربية والإسلامية إلى دعوى جنوب أفريقيا؟.. هنا يمكن القول إنّ الخناق سيضيق على "إسرائيل" إلى درجة لا يمكن للعالم أن يتصورها، وهنا من الممكن أن تتوقف الإبادة، وتحاسب إسرائيل على كل جرائمها قبل فوات الأوان.


لقراءة الجزء الأول، الجزء الثاني

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن