تسعى اسرائيل، عبر تصعيد عملياتها العدوانية على لبنان، بدعم وتواطؤ أميركي غربي، إلى فرض شروطها على طاولة المفاوضات الدبلوماسية والتي تتمحور حول إضعاف "حزب الله" وضرب قيادته وقدراته العسكرية والتسليحية كما تدمير بناه الاجتماعية والاقتصادية، التي بناها لسنوات طويلة وأصبحت رديفة لمؤسسات الدولة من حيث التوسع والأهمية، فضلًا عن زعزعة استقرار بيئته الحاضنة وتعمد استهداف مناصري "الحزب" ومناطقهم بالتدمير والتهجير .
وفي السياسة، تضغط القوى الدولية من أجل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ووقف التعطيل الحاصل في بنيان الدولة المترهل. وقد تلقفت الأحزاب السياسية اللبنانية الإشارات الدولية واستوعبتها، وهذا ما تُرجم بعدة مواقف أبرزها كلام رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الحليف الاستراتيجي للحزب، والذي انقلب على "حزب الله" واتهمه عبر قناة "العربية" الفضائية بـ"جرّ لبنان إلى حرب أضعفته".
ووفق وجهة نظر شريحة كبيرة من اللبنانيين، فإن الحزب لم يستجلب من خلال "وحدة الساحات" ذات الأجندة الإيرانية، والتي فرضها بأمر الواقع على لبنان واللبنانيين وقبلها التدخل في الحرب السورية، وما بينهما من استعداء لدول الخليج العربي وصل إلى حدّ تهديد أمنها الداخلي، إلا الخراب والدمار الذي انعكس على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في بلد يئن أصلًا من تداعيات الحروب وعمليات الاغتيال السابقة وتفجير مرفأ بيروت وغيرها.
وإزاء هذه الأوضاع المتردية والخوف على لبنان من تداعيات الحرب وآثارها، انعقد مؤتمر "دعم لبنان" في باريس، بحضور 70 دولة و15 منظمة دولية. وبدا، من خلال مستوى الحضور المشارك، والذي اقتصر فقط على وزيري خارجية الاردن والعراق، أما بقية الدول فكان التمثيل على مستويات مختلفة وسط غياب لافت للولايات المتحدة الأميركية، أن الآمال المعقودة من الجانب الفرنسي واللبناني لم تتحقق.
فوفق باريس وبيروت كان المطلوب مؤتمر يحشد دول العالم وقياداتها الرفيعة، ليس فقط من أجل تقديم الدعم المالي بل الضغط على اسرائيل لوقف حربها الهمجية على لبنان فوراً وإطلاق المسار الديبلوماسي التفاوضي وفق الالتزام الرسمي الكامل بكل بنود القرار الدولي 1701 ودعم الجيش اللبناني لزيادة عديده وعتاده ليكون له دور محوري في مرحلة ما بعد الحرب. ومع كل هذا، شكل المؤتمر دليلاً اضافياً على المساعي الحثيثة التي تبذلها فرنسا بشخص رئيسها ايمانويل ماكرون. مع الاشارة الى أن فرنسا لطالما شكلت عوناً ودعماً للبنان في أحلك الظروف، وذلك عبر مؤتمر باريس 1 و 2 ومؤتمر سيدر.
وكحصيلة للمساعدات، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أن هناك "تعهدات بتقديم 800 مليون دولار للدولة اللبنانية"، وتعهدات أخرى "بتقديم 200 مليون دولار كدعم للجيش اللبناني". علماً أن وزير البيئة ناصر ياسين، الذي يتولّى رئاسة لجنة الطوارىء الحكومية، أشار إلى أن لبنان يحتاج 250 مليون دولار شهرياً لمساعدة النازحين مع استمرار العدوان الاسرائيلي.
وفي السياق نفسه، توقعت الأمم المتحدة، في بيان لها، أن "يتجاوز حجم الأعمال القتالية والتداعيات الاقتصادية للحرب ما حدث في عام 2006، وأن تلتهم الحرب 9٪ من الناتج المحلّي اللبناني، وانكماش الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 2.3٪ في العام 2025 وبنسبة 2.4٪ في العام 2026". وهذه المؤشرات توحي بأن مسار التعافي سيكون شاقاً وصعباً على لبنان ما يستوجب اطلاق ورشة تصحيحية حقيقية لوضع لبنان على السكة الصحيحة، فور انتهاء الحرب الاسرائيليّة التي يأمل اللبنانيون أن تكون الأخيرة.
ومن مؤتمر باريس إلى الواقع الميداني الدامي، حيث ارتكبت آلة الحرب الإسرائيلية فجر اليوم مجزرة "صحافية" بعد استهداف منازل يبيت فيها صحافيون ومراسلو قنوات تلفزيونية في منطقة حاصبيا ما أسفر عن استهاد 3 صحافيين وتدمير سيارات النقل المباشر، بينما كان الاحتلال الاسرائيلي قد استكمل خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية تدمير القرى الجنوبية الحدودية كما نفذ غارات عنيفة على بعلبك والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت التي شهدت أكثر من 10 غارات ليلًا بعد أوامر الاخلاء التي دأب العدو على اتباعها منذ بداية الحرب. في موازاة ذلك، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي: "إن إسرائيل قد تصل إلى نهاية حاسمة للنزاع مع "حزب الله". وأضاف "لقد أنهينا سلسلة القيادة العليا للحزب بشكل دقيق للغاية".
وإذ صعّد "حزب الله" هجماته الصاروخيّة وعملياته تجاه المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيليّة ووسّع اشتباكاته مع قوات العدو الّتي حاولت التوغل في القرى الحدوديّة، ولاسيما في بلدة عيتا الشعب التي شهدت أمس على معارك ضارية من "مسافة صفر"، شدد المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس، على أنّ "حزب الله لا يزال اليوم أقوى مُدافع عن لبنان، وأصلب درع يتصدّى لأطماع الكيان الصهيوني الذي يسعى منذ زمن بعيد إلى تقسيم لبنان"، وذلك في معرض تقديمه "التهنئة والتعزية بشهادة" رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفيّ الدين الذي قُتل بغارة إسرائيليّة على الضاحية الجنوبية لبيروت.
تزامنًا، تستعد العاصمة القطرية، الدوحة، لاستضافة جولة جديدة من المفاوضات بشأن غزّة بعد أشهر من الجمود، فيما ناقشت حركة "حماس" في القاهرة، أمس، اقتراحات لتسوية الوضع، مؤكدة "الجاهزية" لوقف القتال، إذا التزمت إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار والانسحاب من القطاع وعودة النازحين وإبرام صفقة تبادل.
بدوره، قال نتنياهو "إن تل أبيب في بداية النهاية للحرب على قطاع غزّة بعد إنزال ضربات قاسية على "حماس"، والقضاء على من قاد الاعتداء الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل"، في إشارة إلى رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار.
بالتزامن، استشهد وأصيب أكثر من 150 فلسطينياً، ليل أمس، في مجزرة جديدة ارتكبها الاحتلال في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزّة، بعدما تعمّد قصف مربعات سكنية كاملة في ظل خروج المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة وعرقلة وصول فرق الإسعاف. وأمام الصرخات الآتية من الأمهات والأطفال ومشاهد الدمار والحصار، أجرى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي جولة في منطقة جباليا معلناً، فوق الركام والاشلاء، أن "جباليا تسقط".
وتنوعت عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم بين الحديث عن الدور الإيراني في المنطقة العربية إلى جانب استمرار العدوان الإسرائيلي على غزّة ولبنان، وفي هذا الإطار:
نقلت "الجريدة" الكويتية عن مصدر رفيع المستوى في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني قوله: "إنه بعد تعيين نائب قائد الفيلق اللواء محمد رضا فلاح زادة مشرفاً على "حزب الله"، قام الأخير بتعيين ضباطاً من الحرس الثوري يشرفون على المواقع القيادية الخالية في الحزب، ريثما يتم تعيين قادة جدد في هذه المواقع".
بدورها، اعتبرت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "المسار السياسي الإيراني لا يزال متناقضاً بين الوصول إلى حل سياسي في المنطقة، وبين الاحتفاظ بمشروع الهيمنة والنفوذ ودعم المليشيات المسلحة"، مشيرة إلى أن "إيران لن تتخلى عن مشروع المقاومة -الذي تدعيه- في المنطقة بعد عقود من الدعم والتسليح حتى لو تعرضت لضربة إسرائيلية، وستبقى التصريحات الإيرانية خلال هذه الفترة ردة فعل استباقية لما هو أسوأ".
ولفتت صحيفة "الإتحاد" الإماراتية إلى أن "الوضع في غزّة أشبه بمحاولة لفرض واقع جديد في المنطقة". وقالت: "إسرائيل، التي لطالما استخدمت القوة العسكرية لتحقيق أهدافها، يبدو أنها اليوم تلجأ إلى أدوات أخرى، ومن ذلك استخدام الاقتصاد الذي بات سلاحاً فعالاً في هذا الصراع، حيث يتم تدمير مقومات الحياة اليومية للغزيين، مما يدفعهم للهجرة أو النزوح نحو أماكن أخرى. والهدف النهائي تقليص عدد السكان في القطاع، وجعله منطقةً غير صالحة للحياة البشرية".
ووفق صحيفة "الجمهورية" المصرية، فإنه "وبالرغم من أن جميع الأبعاد والزوايا معروفة فلم يشأ نتنياهو أن يتخذ مبادرة سلام واحدة على الأقل ليؤكد أنه ليس معادياً للمجتمع الدولي بأسره"، مشددة على "أنه طالما للعبة كلها في يد أمريكا فلا أمل إذن إلا إذا أبدت من حسن النوايا ما يقنع إسرائيل أولا وكافة دول العالم من ناحية أخرى، لأنها مهما أصدرت من تصريحات خلال هذه الفترة فلن يصدقها أحد".
أما صحيفة "الصباح" العراقية، فرأت أن ما يحصل في منطقة الشرق الاوسط "ليس حربا بين مختلفين، بل هي لتحقيق أهداف عالمية ربما تشبه سنوات التخطيط لتقسيم الدول العربية في معاهدة سايكس بيكو"، مؤكدة أن "نتنياهو يعلم هذا التوجه الخارجي الدولي، الذي أريد به أن يتحصل التغيير في الدول الشرق الأوسط، لكن الأمر الذي يضاف إلى هذه المخططات ما يتصل بنتنياهو نفسه فهو جزء من المخطط وأداة التنفيذ..
وتناولت صحيفة "اللواء" اللبنانية زيارة الموفد الأميركي أموس هوكشتاين إلى بيروت ومحاولات وقف إطلاق النار، إذ أوضحت أن "العدو الاسرائيلي وضع شروطاً قاسية جداً، ويستغلّ وضع "حزب الله" وما وصل إليه بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله وكبار قادته، كي يفرض هذه الشروط". وخلصت الصحيفة إلى أن "التصعيد سيكون سيد الموقف، وليس ثمة وقف لإطلاق النار إلّا من خلال تسوية كبيرة، والأوضاع تتجه إلى وقت ضائع إضافي مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي الأميركي".
(رصد "عروبة 22")