صحافة

الحرب الصهيونية على الأونروا أم على حق العودة للاجئين؟

عبد الحميد صيام

المشاركة
الحرب الصهيونية على الأونروا أم على حق العودة للاجئين؟

حرب الكيان الصهيوني على الأمم المتحدة تكاد تكون شاملة، علما أن للأمم المتحدة فضلاً كبيراً على الكيان، وحصوله على شهادة دولية بالوجود، بعد أن ولد على يد القابلة البريطانية، التي ما فتئت ترعاه وتشد أزره وتمكنه، حتى استوى على عوده، وأسس ميليشيات إرهابية مسلحة، ففطمته والدته العجوز وسلمته جميع مؤسسات الدولة ورحلت، بعد ما ضمنت له أسباب البقاء، حيث استمد شرعيته من قرار التقسيم (181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947) غير الشرعي وغير القانوني وغير الأخلاقي، المرتكز على تقرير لجنة بيل البريطانية لعام 1937 الذي دعا لأول مرة إلى تقسيم فلسطين.

فعندما أعلن بن غوريون مساء 14 مايو 1948 ما سمي بالاستقلال، كان عدد مجلس القيادة 37 شخصا، واحد ولد في فلسطين، وآخر في اليمن، و35 في دول أوروبا مثل بولندا وهنغاريا وأوكرانيا وروسيا والنمسا وبريطانيا. وبدأت بعدها عمليات التطهير العرقي التي شملت نحو 800000 فلسطيني على أقل تقدير. فما كان من الدول الأعضاء الذي لم يزد عددها عن 58 دولة، إلا أن اعتمدوا قرار حق العودة 194 بتاريخ 11 ديسمبر 1948.

وعندما تبين عمق المأساة التي خلقتها الأمم المتحدة وسهّلت قيام الغول الصهيوني بابتلاع 78% من أرض فلسطين وطرد الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني إلى ما تبقى من فلسطين (غزة والضفة الغربية) ودول الجوار الثلاث، تم اعتماد القرار 302 بتاريخ 8 ديسمبر 1949 الذي أقرّ إنشاء "وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى" المعروفة باسم "أونروا".

ارتبط عمل الوكالة بقرار حق العودة، وينتهي عمل الوكالة عندما تتحقق العودة. ووضع قبول قراري التقسيم وحق العودة شرطا لقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة. وهكذا كان. فقد وقع المندوب الإسرائيلي موسي شاريت، وثيقة تقر بقبول القرارين وأودع كوثيقة رسمية عندما اعتمدت الجمعية العامة قرار الاعتراف بإسرائيل بتاريخ 11 مايو 1949.

إسرائيل لم تعترف ولو للحظة واحدة بأنها ستطبق أيا من القرارين، لكنها تعاملت مع قرار إنشاء الأونروا في البداية بإيجابية، لأنه يعفيها من مسؤوليات كبيرة، وظنا منها أن الكبار يموتون والصغار ينسون ويتأقلمون وينصهرون ويرحلون، وينتفي حق العودة تلقائيا. لكن الأجيال الجديدة التي تربت في مخيمات البؤس والاضطهاد والتمييز في بلاد العرب، تمسكوا أكثر وأكثر بحلم العودة.

وقد أقرت الجمعية العامة خلال سنوات الغياب حق العودة أكثر من 25 مرة. وعادت واعتمدت عديدا من القرارات، تؤكد حق العودة، خاصة القرار 3236 لعام 1974، الذي فصل الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف (أي لا تموت مع التقادم) ومن بينها حق العودة. بعد أن بدأ التراجع العربي والتخلي عن القضية الفلسطينية بدءا من اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والكيان عام 1979، وصولا إلى أوسلو ووادي عربة، أصبح التخلي عن حق العودة شرطا إسرائيليا في كل لقاء مع العرب ومع الفلسطينيين. ولأهمية قرار حق العودة 194 نود أن نوضح معنى حق العودة، الذي يضم أربعة مجالات:

أولا- حق العودة يشير بوضوح تام إلى، "العودة إلى ديارهم" وليس إلى مكان آخر غير ديارهم وأراضيهم وحقولهم ومزارعهم.

ثانيا- القرار يتحدث عن العودة والتعويض، وليس أو التعويض حيث ينص: "وجوب دفع التعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفق مبادئ القانون الدولي والعدالة، ويعوض عن الفقدان أو الخسارة أو الضرر".

ثالثا- القرار يطالب "بالعودة في أول فرصة ممكنة".

رابعا – ينطبق حق العودة على كل فلسطيني وفلسطينية وذريتهما، دون توقف إلى أن يتم تطبيق حق العودة، سواء كان مالكا للأرض أو لا، سواء خرج طوعا أو كرها.

لقد تم مراراً الالتفاف على حق العودة دولياً وعربياً وفلسطينياً واستبداله بكلام غامض عن حل مشكلة اللاجئين بطريقة عادلة، بدءاً من قرار 242 (1967) الذي تعامل مع نتائج حرب 5 يونيو 1967، التي خرج منها العرب مهزومين. فأشار القرار المذكور، الذي تكرر في قرار 338 بعد حرب أكتوبر 1973، إلى حل مشكلة اللاجئين (دون أن يصنف هويتهم، عن قصد وسوء نية فالذي كتب القرار البريطاني اللورد كارادون).

ثم تخلى الرئيس المصري أنور السادات في اتفاقية كامب ديفيد، التي أقرت بأن حقوق الشعب الفلسطيني تختصر في "حكم ذاتي"، لا تقرير المصير ولا استقلالا ولا حق العودة. ثم جاء دور القيادة الرسمية الفلسطينية بالتخلي عن حق العودة في اتفاقيات أوسلو عام 1993، التي تخلت أيضا عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، وتخلت عن برنامج التحرير واستبدلته ببرنامج التسوية عن طريق المفاوضات. وفي عام 2002 وقّع العرب جميعا على مبادرة السلام العربية في بيروت، التي عرضت على إسرائيل التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاد بعض الحكام العرب ليعكسوا المعادلة ويقدموا التطبيع أولا قبل قيام الدولة الفلسطينية.

الشعب الفلسطيني ظل متمسكا بحق العودة، خاصة أبناء المخيمات، الذين دفعوا حصة من دمائهم لحماية الثورة وبرنامج التحرير وحق العودة. ظل المخيم وفيا لذاكرته التاريخية "ينبت زعترا ومقاتلين، وساعدا يشتد في النسيان". لذلك تمت مهاجمة جميع المخيمات. وما يجري في غزة الآن، أوضح مثال على محاولة اجتثاث السكان وغالبيتهم من اللاجئين. لم ينجح الكيان وحلفاؤه العرب في ترويض المخيم الفلسطيني وإلغاء حق العودة فبدأ العمل على تدمير الأونروا، لأنها حاضنة اللاجئين والساهرة على حقهم التاريخي.

بدأت إسرائيل حملة مكثفة بعد الانسحاب الخارجي من غزة عام 2005، تروج لضرورة حل الأونروا واتهمتها بمساعدة المقاومة والسماح للمقاتلين باستخدام المدارس وتخزين الأسلحة وبناء الأنفاق تحت مقراتها، وتوجيه التهم لمسؤوليها واستخدام سياراتها لنقل الأسلحة. ولفقت تهما للمفوض العام السابق بيير كرينبول، فاضطر للاستقالة. وعادت مرة أخرى في بداية حرب الإبادة هذه باتهام الأونروا، حيث تأكدت أن الذي سيمنع المجاعة وانتشار الأوبئة هي الأونروا فقط. لذلك لفقت تهمة المشاركة المسلحة من بعض عناصر الأونروا وقتلت من موظفي الأونروا نحو 276 موظفا.

وصلت المؤامرة الآن إلى ذروتها ففي 28 أكتوبر 2024، أقر الكنيست بغالبية 92 مقابل 10 أصوات سلبية، قانونين مصممين لتعطيل عمليات وخدمات أساسية للأونروا في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. وتحظر إسرائيل بموجب القانون الجديد على الأونروا تشغيل، أو تقديم أي خدمات، أو إجراء أي أنشطة فيما يشار إليه باسم "الأراضي السيادية لدولة إسرائيل". كما ينهي التشريع اتفاقية عام 1967 بين إسرائيل والأونروا بأثر فوري. أما حظر عمليات الأونروا، فسيدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من إقرار القوانين.

هذه القوانين ستحرم 2.4 مليون لاجئ فلسطيني في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة من الخدمات الأساسية، خاصة التعليم والرعاية الصحية. وكما حذر المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، من أن الأطفال "دون التعليم سينزلقون إلى براثن اليأس والفقر والتطرف. ودون تعليم سيقع الأطفال فريسة للاستغلال، بما في ذلك الانضمام إلى الجماعات المسلحة. دون تعليم، ستبقى هذه المنطقة غير مستقرة ومتقلبة. دون "الأونروا"، سيبقى مصير ملايين الأشخاص على المحك".

هذا ما يعمل عليه الكيان. تدمير بنية الشعب الفلسطيني وتشتيتهم وتحويلهم إلى جهلة ومشردين وعنيفين، كي يبرر مسلسل سفك الدم. فهولاء الذي يقاتلون في غزة اليوم نشأوا وشاهدوا في العشرين سنة الماضية ست حروب ومئات الاقتحامات والتفجيرات. فهل سينتج عن هذه الظروف "غاندي والأم تريزا ودالاي لاما"؟

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن