صحافة

ما الجدوى من قمم المناخ العالمية؟

رمزي الغزوي

المشاركة
ما الجدوى من قمم المناخ العالمية؟

ما زلت أذكر كيف أبكانا الزميل عماد حجاج برسمة كاريكاتيرية غاية في الإحساس والمسؤولية الإنسانية، حين رسم الأرض ككرة من الشمع تتهطل منصهرة كدموع طويلة تئن وجعاً، بعد أن رفعنا درجة حرارتها بطيشنا وعبثنا وقلة التزامنا نحن بني الإنسان. صحيح أن الأرض أمنا ومهدنا ومعاشنا ودربنا وحلمنا، لكني لست متفائلاً بنتائج قمة الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP29 التي انطلقت أول أمس في العاصمة الأذرية، باكو، تحت شعار "تضامناً من أجل عالم أخضر".

أزمة المناخ أصبحت واقعا ملموسا ومن الضروري التحرك السريع لمواجهة الكوارث الجوية المتطرفة التي يشهدها عالمنا، فهي تشكل مآسي إنسانية تهدد صحة الناس، وتزيد التفاوت بين الدول، وتؤثر سلبًا على التنمية المستدامة، وعملياً لا يمكن وقف الاحتباس الحراري تماماً، بل يمكن فقط إبطاء وتيرته وتأخير حجم الضرر الناجم عنه، وتقليصه حتى نهاية القرن الحالي، على أمل أن نتمكن من التعايش كجنس بشري مع المتغيرات التي تسببنا نحن في إيجادها.

في هذه القمة يتجلى التحدي الأهم في الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وضرورة خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030، ولتحقيق هذا؛ فأن الـ 100 مليار دولار، التي تعهدت بها الدول الصناعية في قمة باريس قبل سنوات، لم تعد كافية، لأن ما هو مطلوب بات بحاجة إلى تريليونات الدولارات لتحقيقه.

في القمة من المفترض أن تتخذ قرارات شجاعة لتنفذ تدريجيا خلال العقود المقبلة، كخفض نسبة انبعاث غازات، ثاني أكسيد الكربون والميثان، والابتعاد التدريجي عن الوقود الأحفوري، والتحول إلى الطاقة المتجددة، ويفترض أن تعمل كل السيارات بالكهرباء مع حلول عام 2050، والأهم هو حماية الغابات، وتشجير المساحات الجرداء.

للأسف فإن أغنياء العالم الذين ينتجون غالبية ثاني أكسيد الكربون الذي رفع درجة حرارة الأرض، يتخلون كالعادة عن واجبهم الأخلاقي تجاه هذه المشكلة الإنسانية، فإنهم لوثوا ويلوثون الأرض، ومع هذا يريدون التنصل من تبعيات الوجع المنتشر في أوصالنا.

ربما أن الأرض ليست بحاجة إلى طقس قممي يتمثل في قمم مناخية دورية للتغلب على محنة الاحتباس الحراري، بالقدر الذي تحتاج فيه مناخ قمة عالمياً، يسهم في أن يتحرر الضمير الإنساني من محبسه وقمقمه، ويعود إلى عافيته ورهافته. نحن لم نعانِ انحباسا حرارياً بقدر ما نعاني "انحباسا ضميريا"، فالإنسان بلا ضمير يضرُّ حتى نفسه، دون أن تهتز له شعرة، أو تنهمر منه عبرة.

(الدستور الأردنية)

يتم التصفح الآن