قضايا العرب

ليبيا: انقلاب المجلس الرئاسي على مجلس النواب ينذر بتصعيد جديد!

بينما لم تعُد الانتخابات المؤجّلة مطروحة على جدول أعمال المتصدّرين للمشهد السياسي الليبي، يتّجه المجلس الرئاسي للانقلاب بسلاح الاستفتاء واللجوء لرأي الشارع ضد السلطة التقليدية، المتمثّلة بمجلس النواب المدعوم من المشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرقي البلاد، مما ينذر بحربٍ جديدة على الرغم من التفاهمات الاقليمية والدولية لتجنّبها.

ليبيا: انقلاب المجلس الرئاسي على مجلس النواب ينذر بتصعيد جديد!

انتهى التوافق المؤقت بين السلطة في المنطقة الشرقية، التي تضم البرلمان برئاسة عقيلة صالح وحكومة الاستقرار المنبثقة عنه برعاية المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني من جهة، والسلطة المناوئة في المنطقة الغربية التي تشمل حكومة الوحدة الموقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي من جهة ثانية.

وفشلت الوساطة المصرية والأممية في تقريب وجهات نظر الطرفيْن حيال عدة قضايا داخلية، مما يعكس رغبتهما في البقاء في المشهد من دون حله أو حسمه.

وتصاعد النزاع بين المنفي وصالح، على خلفية إقدام الأخير على إطاحة محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق الصادق الكبير، الذي خلفه عيسى ناحي بعد تدخلات أممية وإقليمية.

وقوبل إعلان المنفي تشكيل هيئة مستقلة للاستفتاء والاستعلام، بمعارضةٍ شديدة من مجلس النواب الذي اعتبره تجاوزًا لصلاحيات المجلس وفق اتفاق جنيف، وطالب بسحبه فورًا واعتبره "خطوةً خطيرة غير مبرّرة ومخالفة للإعلان الدستوري". كما اعتبرته المفوضية العليا للانتخابات، محاولةً لاستبعادها وتعطيل الاستحقاق الانتخابي المؤجل، بصفتها الجهة الفنية ذات العلاقة باي مهام تتعلق بالانتخابات او الاستفتاءات.

وتتعارض مساعي المنفي بوضوح مع البيان المُشترك للقاء القاهرة الذي ضمّه وصالح وحفتر، والذي أكد "أهمية دعم الحل المتوازن، بما يحقق طموحات الشعب لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة".

للمرة الثانية على التوالي يَسحب البرلمان الثقة من حكومة الدبيبة، لكنها الأولى باتجاه التصعيد مع المنفي ونزع صلاحياته، بما في ذلك صفة القائد الأعلى للجيش الليبي، في خطوة تعني سحب الاعتراف بالاتفاق السياسي الموقّع في المغرب عام 2015 ونتائج ملتقى الحوار السياسي الموقع في جنيف عام 2021.

وجادل صالح الذي طالب بإعادة النظر في اتفاق جنيف للمرحلة التمهيدية، بانتهاء هذه المرحلة التي جاءت بالرئاسي والحكومة، مع انتهاء المدّة المحدّدة لها.

وبينما التزم المنفي الصمت، قال نائبه عبد الله اللافي إنّ ما فعله مجلس النواب هو والعدم سواء، وجادل بأنّ المجلس الرئاسي جاء وفق اتفاق بين الأطراف المحلية والدولية، وأن "أي تعديل يطال هذه الأجسام أو اختصاصاتها يتطلب العودة الى نصوص الاتفاق".

المنفي القادم من الخلف

في الواقع، مثَّل انتخاب المنفي رئيسًا للمجلس الرئاسي، مفاجأة الجولة الأخيرة لتصويت أعضاء ملتقى الحوار الليبي الذي نظمته الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، في شهر فبراير/شباط عام 2021، على اعتبار أنه كان ضمن قائمة ضمّت شخصيات ليست من الصف الأول في المشهديْن السياسي والعسكري، ولم يُعرف عنها أي انخراط مباشر في الصراع الدائر في البلاد منذ عام 2014.

وعلى الرغم من أن فوز القائمة التي ضمّت المنفي والدبيبة، لم يكن متوقعًا، فقد حظي انتخاب هذه النخبة السياسية الجديدة بترحيب إقليمي ودولي، على أمل نجاحها في إدارة المرحلة الانتقالية والوصول للانتخابات، التي كانت مقررة نهاية 2021، لكنها أرجئت الى أجل غير مسمّى ولم تعد على قائمة أولويات المتنافسين الرئيسيين.

المنفي، الذي لم يمارس أي نشاط وظل عمله السياسي محدودًا جدًا، عُرِف فقط بكونه سفيرًا لليبيا، الذي دعته اليونان إلى مغادرة أراضيها عقب توقيع حكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، حدّد في كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ملامح حل الأزمة، من وجهة نظره، "عبر استفتاءات نزيهة وانتخابات شاملة تعتبران الحل الأمثل لإنهاء أي انسداد سياسي".

لكن المنفي فشل حتى الآن في تحقيق الرهان على أنّ انتخابه سيساهم في انتقالٍ سياسي سلس، وبدلًا من أن يلعب دور "قائد الأوركسترا"، وفقًا لما قاله مصدر برلماني مطّلع لـ"عروبة 22"، فضّل أن يكون مجرد "أحد عازفي جوقة الدبيبة"، الذي كان واضحًا منذ تولّيه السلطة أنه يخطط للبقاء مدةً أطول مما هو مقرر.

وطبقًا لما رواه ديبلوماسي غربي، عاد للتوّ من طرابلس، لـ"عروبة 22"، فعلى الرغم من أنّ الدبيبة يتولّى أيضًا حقيبة الدفاع في حكومته، واعتبار المنفي قائدًا أعلى للقوات المتواجدة في غرب البلاد، فقد برهنت الأحداث التي تلت انتخابهما المثير للجدل، على أنّ هذه المناصب مجرد حبرٍ على ورق، وأنهما لا يملكان فعليًا أي سيطرة حقيقية على جيوش الميليشيات المسلحة التي تسيطر على الأرض في المنطقة الغربية.

مخاوف الحرب

يبدو أنّ ليبيا كان ينقصها لعبة الاستفتاء المتبادل، فبينما يخطط المنفي لمناكفة البرلمان، يفكر الأخير في تنظيم استفتاء على شرعية واستمرار الرئاسي وحكومة الدبيبة، لإزاحتهما من المشهد السياسي.

لذلك، يعتقد محلّلون أنّ فكرة الاستفتاء في ليبيا التي تعاني كل أنواع الانقسامات والخلافات، تعدّ أمرًا مثيرًا للسخرية.

وثمّة حاجة لتجنّب دخول ليبيا في صدام عسكري جديد، على الرغم من تصاعد المخاوف الأممية والدولية من انزلاقها مجددًا نحو العنف، بينما يعني تراجع التفاؤل بتوحيد المؤسسة العسكرية شرقًا وغربًا في جيشٍ وطني واحد ومحترف، أنّ الرهان على الانتخابات حاليًا غير واقعي ولا يمتّ لما يجري بصلة!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن