استطاع ترامب أن ينتزع فوزاً ثميناً في الانتخابات الأخيرة. ولا يخص هذا الانتخابات الرئاسية فحسب، بل أيضاً الانتخابات التشريعية، حيث يبدو أن حزبه سيسيطر على المجلسين التشريعيين. كما أن المحكمة العليا في يد القضاة المحافظين والمنحازين لتوجهه بشكل عام. وبذلك يصبح الرئيس المنتخب أقرب شيء لرئيس مطلق له صلاحيات كبيرة.
والسؤال هل سيختلف ترامب في العهدة الثانية عن سابقتها بالنسبة للشرق الأوسط؟ بالنسبة للشرق الأوسط وبسبب هذه الصلاحيات الكبيرة ستنعكس سياساته إلى نظرته للمنطقة. بالنسبة لترامب الشرق الأوسط ينقسم إلى أعداء وأصدقاء. الأعداء هم دول مثل سوريا وإيران وبعض القوى مثل "حزب الله" و"حماس". وقوى صديقة مثل دول الخليج ومصر والمغرب وإسرائيل. الأخيرة لها ما تريد حتى ترضى وما بعد الرضا.
وبقية الدول الصديقة صداقتها مرهونة بقدر ما تقدم له منافع يستطيع أن يتباهى بها عند قواعده الانتخابية. يرى ترامب، كما أشار أكثر من مرة، إلى أن الدول بما فيها الأوروبية عليها أن تدفع ثمن الدعم الأمني الذي تقدمه الولايات المتحدة. السياسة الخارجية بالنسبة للرئيس ترامب هي مقايضة.
قد تكون الإشكالية في فهم استراتيجية ترامب، حيث يتبع استراتيجية "تحيير الآخرين". لا يستطيع أن يتنبأ أحد بسياساته. هل هي طبيعة أم استراتيجية إرباك. يعتقد البعض أن ترامب يحاول أن يضع خصمه في حالة يستطيع أن ينتزع بها أكبر قدر من التنازلات. ويعتقد البعض هي عدم انضباط في السياسات وانعدام للاستراتيجية والتي كانت من مظاهر السياسة الخارجية في المرة الماضية.
الأكيد أن التعيينات في مجال الأمن والسياسة الخارجية تبدو أنها تتسم بسيطرة الصقور على إدارة هذا الملف. سيتبع الرئيس ترامب سياسة متشددة حيال إيران وخاصة بعد المواجهة المسلحة التي حصلت بين إسرائيل وإيران. تعيين السيناتور ماركو روبيو المرشح لمنصب الخارجية معروف بأنه من صقور الجمهوريين تجاه إيران والصين. كما أن مرشح مستشار الأمن القومي النائب مايك والتز أيضاً من الصقور المعادين لإيران.
والسياسة بالنسبة لترامب إلى حد كبير شخصية؛ وإذا ما ثبت أن إيران كانت وراء محاولة الاغتيال ضد المرشح الرئاسي ترامب، فإن العواقب ستكون وخيمة. وبلا شك فإن نتنياهو سيسعى حثيثاً للدفع إلى مواجهة بين إيران والولايات المتحدة. وإذا ما تضافرت عدة عوامل قد يؤدي إلى اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران.
بالنسبة للقضية الأخرى المنخرطة فيها واشنطن فهي الحرب الأوكرانية. قدمت الولايات المتحدة كل الدعم والتأييد لأوكرانيا ضد روسيا عدا عن إرسال جنود أمريكيين. ترامب يعتقد أنه يستطيع حل النزاع في أول يوم من استلامه للسلطة. بلا شك أن الرئيس بوتين سيتقبل مقترحات ترامب أكثر من بايدن. والعلاقة بين الرئيسين أكثر ودية من أي رئيس أمريكي سابق.
من الصعب تصديق إمكانية حل المشكلة الأوكرانية في يوم أو حتى شهر، ومقترحات ترامب لحل الأزمة غير مقبولة في كييف. وقد يؤدي الضغط الذي سيمارسه ترامب على أوكرانيا لقبول مقترحاته بكل تأكيد سيؤدي إلى شرخ عميق بين ضفتي الأطلسي. وستنظر العواصم الأوروبية إلى بدائل للترتيبات الأمنية لحماية أوروبا. وستضطلع الأخيرة في أمنها والابتعاد عن الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن.
بالنسبة للحرب في غزة فإن ترامب في سعيه للحصول على جائزة نوبل للسلام مثل ما حصل عليها خصمه اللدود الرئيس السابق باراك أوباما، قد يضغط في اتجاه حل على أغلب الظن يكون نتنياهو وافق عليه مسبقاً ـ إن لم يكن مكتوباً من قبله. ولكن حلاً مثل هذا قد لا يكون مقبولاً من "حماس". أما لبنان فبوادر الحل أصبحت واضحة قبل يناير حين يستلم السلطة.
(البيان الإماراتية)